من درب عطية لـ"التلة القديمة" بقنا.. عالم الأبنودي كان صرحا من خيال فهوى (فيديو وصور)
"قالوا علينا ديابة.. واحنا ياناس غلابة.. يا مغنواتي غني حكايتنا على الربابة".. من أعظم تترات المسلسلات في الدراما المصرية شدا بها الفنان علي الحجار، في مسلسل "ذئاب الجبل"، ومن كلمات الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودي، وظلت هذه الكلمات عالقة بالأذهان رغم مرور سنوات على عرض المسلسل، خاصة وأن كلمات الأغنية التي أبدع فيها "الخال" تسرد واقعًا من حكايات وتراث المجتمع الصعيدي.
ورغم الشهرة الواسعة للأبنودي، أو الخال كما يلقب إلا أنه حتى يومنا هذا لا يوجد شارع أو مدرسة أو قصر ثقافة يحمل اسمه سوى متحف السيرة الهلالية، وهو الأمر الذي دفع جمهوره ومحبيه للمطالبة بالحفاظ على تراث أو أطلال ماتبقي من ذكرياته.
متحف السيرة الهلالية
"متحف السيرة الهلالية"، حلم ظل يراود الأبنودي سنوات حتى تحقق حلمه بالمتحف الذي يضم العديد من الصور التي تحمل السيرة الهلالية والكثير من متعلقاته الشخصية، وأصبح هذا المتحف قبلة الزائرين والوافدين من مختلف محافظات مصر سنويًا، والتصوير في المتحف يكون بتصريح رسمي من وزارة الثقافة.
وقال محمود ثروت، أحد أبناء مركز قفط، إن الأبنودي يعد من أهم وأشهر شعراء الوطن العربي، ورغم شهرته الواسعة إلا أنه لا يوجد قصر ثقافة أو شارع أو ميدان يحمل اسمه، وهذا أمر مستغرب جدًا.
وطالب يحيى عبدالمنعم، طالب بكلية الآداب، بفيلم تسجيلي يحمل السيرة الذاتية للأبنودي، ويتناول الأماكن التي عاش بها والتي يجهلها الكثيرون عنه.
كما أضاف سالم القناوي، أن متحف السيرة الهلالية لابد من أن يضم العديد من المقتنيات الخاصة بالأبنودي ورفيق دربه سيد الضوي، مشيرا إلى أن قرار منع التصوير داخل المتحف إلا بتصريح من الهيئة العامة للثقافة في القاهرة أمر صعب بالنسبة للأطفال والزيارات المدرسية والجامعية وحتى العادية.
أبنود
وفي درب عطية، تربى وعاش "الخال" مدة زمنية غير معلومة فالكثير يرجح أنه ظل نحو 10 سنوات وبعدها انتقل إلى مدينة قنا، وأثناء مرورنا في هذا النجع وجدنا الكثير من الأشياء التي اختفت وتحولت إلى بيوت ومنشآت حكومية، حتى الترعة التي كان دائم الجلوس عليها أصبحت مدرسة.
ورعية الغنم عرفت شقاوته رغم أنه نشأ في منزل كان فيه العلم هو السلاح الأول، وروت بعض المصادر بالقرية، أنه لم يكن راعيًا للغنم بل كان يذهب مع رعاة الغنم، وكان شقاوته تسبق سنه، ورسخ في مفكرته الكثير من الأشياء التي رواها في كتابه "أيامي الحلوة" عن تلك الفترة التي عاشها في القرية فقد كانت الدوادة وراعي الغنم (عزب الأعمى) والسوق وعلاج العمة الخدية بالمسمار الناري البتاوة والمديدية، والفرن البلدي وما تحتويه من فوادة ووقيد، والمقطف أو العلاقة ومشهد نساء الدرب وهن يحملاها فوق رءوسهن وتحتها يضعن الأحذية وكأن نيران الأرض هي الحذاء الذي يقودهن إلى مكانهن أم الحذاء بالنسبة لهم يقودهم كما يحب هو.
وفي رحلتنا حاولنا الوصول إلى بعض الأماكن التي لاتزال تحمل ذكرى لدى "الخال"، إلا أن المفاجأة كانت صادمة فقد مر مايقرب من 82 عامًا فما تبقي تم تجديده.
وعلى بعد خطوات وجدنا مكان الترعة التي كان يهوي الخال العشق والصيد فيها، فهو كان دائم الفكر بأن الصيد مرتبط بالرزق، وتحولت هذه الترعة إلى مدرسة تحمل اسم القرية، وبالقرب من الدرب وجدنا طاحونا قديما جدًا ولا يعرف حتى اليوم تاريخ إنشائها والبعض ذكر أنها كانت مكانًا يهوي الخال الجلوس فيه.
وبالقرب من الطاحون يوجد ما يسمي بكرم أبو غربان ذلك المكان الذي ذكره الأبنودي في قصيدة "يامنة" والذي تحول إلى مصالح ومنشآت حكومية، بعد أن تم بيعه.
وعندما كان يزور الأبنودي القرية كان لا يتحدث كثيرًا عن أي شيء ولايزور غير تلك الأماكن المتحف والمضيفة، وحتى منزل يامنة صاحبة القصيدة المشهورة له، لم يتبق منه سوي شيء فقد بيع وشيد مكانه عمارة سكنية، وأقامت يامنة في أواخر عمرها بمحافظة البحر الأحمر وتوفيت ودفنت هناك كما ذكرت بعض المصادر.
وحديقة علي غزالي التي كان يهوي الخال الحصول على الرمان منها وفيها أطلقت عليه والدته لقب رمان، فقد كانت الحديقة ملاصقة لمنزل عائلة الأبنودي وكانت تلك الحديقة واسعة ويكسوها الرمان، ولم نستطع حتى تحديد مكانها فقد تحولت أغلب الأماكن إلى أشياء أخرى لا تشبه من كانوا يعيشون فيها.
وفي مرحلة عمرية ترك الأبنودي قريته وسكن مدينة قنا، وعين والده الشيخ محمود في المدرسة الإنجيلية "تادرو الصالح" مدرسًا للغة العربية.
وفي شارع الحلوي فوق التلة القديمة لمنطقة بني حسن، أقامت سرة الخال، وبمجرد الدخول إلى الشارع والسؤال عن مكان الأبنودي وجدنا الكثير من كبار السن الذين قاربوا على الستين والسبعين يتذكرون منزله.
وبالاقتراب من المنزل القديم الذي لم يتبق منه سوى الأطلال، وجدنا رقم بلوحة زرقاء تحمل رقم 4 والبوابة الخشبية القديمة ذات اللون الأصفر، وعليها أحد الأقفال القديمة، ورزة قديمة مفتوحة، وشبابيك حديدية بلغت من العمر عتيًا كما يذكر.
فقد جاء الأبنودي إلى قنا وعائلته وسكن هذا الشارع وظل به حتى رحل عن مدينة قنا بعد أن حصل على الثانوية العامة وعين وقتها في محكمة قنا الابتدائية.
وفي نهاية رحلتنا اكتشفنا أن والديه دفنا بمدافن "آل الأبنودي" خلف ضريح ومسجد السيد عبدالرحيم القنائي، وإلى جوارهم شقيقه الشاعر كرم الأبنودي الذي رحل بعد معاناة مع المرض بلوحة مكتوب عليها "هنا يرقد آل الأبنودي".