باسم بركات يكتب: القانون لا يرأف بمن يجهل به
القاعدة الأساسية هي أن الجهل بالقانُون لا يحول دون تطبيقه على من يجهله، فبمجرد تمام إجراءات نشر القانون في الجريدة الرسمية، يفترض علم الكافة به، ولا يقبل من أحد الاعتذار بالجهل بالقاعدة القانونُية للإفلات من تطبيق حكمها.
ولذلك لم يثر انتباهي في المجال القانوني شيء بقدر ما أثارته هذه العبارة: "لا يُعذر أحد بجهله للقانون"، كثيرًا ما تلتها ألسن الأساتذة في الجامعة، وكثيرًا ماوجدتها بين أسطر كتابات الفقهاء القانونيين، فهي قاعدة مسلمة في هذا المجال، ترد عليها استثناءات قليلة جدًا، على اعتبار أن القانون يتميز بالعمومية والتجريد إلى جانب خصائص أخرى، بمعنى أن أحكامه تسري على الكافة دون تمييز، بغض النظر عن جنسية المخاطب أو سنه، بل حتى هذه الحالات تتم مراعاة أوضاعها الخاصة فقط، وأحيانًا يمكن أن يحكم عليهم بالتعويض إذا قاموا بأعمال غير مشروعة.
كما لا يجوز الاحتجاج بجهل القانون إذا كان الشخص خارج الوطن أثناء صدوره أو أنه كان مريضًا حينها، بالإضافة لكون هذه القاعدة من حيث نطاق تطبيقها على الأشخاص لاتسري على المواطنين فحسب بل حتى الأجانب، فبمجرد صدور القانون ونشره بالجريدة الرسمية يصبح ملزمًا للجميع؛ فالنشر إذن هو ذلك الإجراء الذي من خلاله يتعرف المرء على نص التشريع، وبذلك يكون النص القانوني بعد مروره بكل من عمليتي الإصدار والنشر قد استوفى كامل الشروط اللازمة لنفاذه، فيصير من المستحيل بعد هذا وذاك الاعتذار بجهله.
من هنا يمكننا أن نستجلي الأهمية البالغة التي تحملها المعرفة القانونية، فالقانُون وحدة لا يمكن تجزئته عن المجتمع، حتى لو حاولت الهروب من تعقيداته، ستجد نفسك مصطدمًا به، في النهاية فهو يحكم حياتك منذ ولادتك إلى حين مماتك، وبالرغم من صعوبة الإلمام بجميع النصوص القانونية إلا أنه من الضروري إدراك بعضها.
- لكن سيظل السؤال هل الجريدة الرسمية وسيلة كافية لعلم المواطن بالنص القانوني؟
- لا جدال في أساس هذه القاعدة، فهي ترمي إلى تحقيق العدل لامحال والحرص على المساواة، وتحقيق العدل العام والصالح العام بما يؤكد سيادة النظام والقانون في المجتمع، وإلا سوف تعم الفوضى ويجعلها الجميع حجة للتملص من العقاب، لكن ما يثير نوعًا من اللامنطق هو الوسيلة التي يتم الاستعانة بها والاكتفاء بها لإخبار الناس، دون نسيان النص المعقد الذي يأتي فيه النص القانوني والذي لا يمكن استيعابه إلا من خبير في المجال، والتوقع من مواطن بسيط إدراكه وفهمه، هذا الأمر يدفعنا للتساؤل عن الوسائل التي يمكن الاعتماد عليها كحل مثالي لنشر الوعي القانوني والثقافة القانونية بين الأفراد.
هنا يبرز دور الإعلام، فمن واجبه كوسيلة لتعبئة الرأي العام بالمعلومات والأخبار ألا يغفل هذا المجال، ويحاول قدر الإمكان نشر وعي قانوني بين المواطنين حتى يستطيعوا إدراك ما لهم وما عليهم، وذلك عبر برامج تنشر الثقافة القانونية وتبين أهمية هذا المجال بطريقة يمكن استيعابها من جميع فئات المجتمع، تعتمد على البساطة والوضوح، مع تجنب الكلمات القانونية الصعبة، كما يمكن للنشرات الإخبارية التي تُعرض بصفة يومية، وتلاقي اهتمامًا كبيرًا من المواطن أن تحرص على عرض كل مايطال القانُون من مستجدات.