رئيس التحرير
عصام كامل

جمهورية «التوك توك» العشوائية


تظل حكاية تطور «التوك توك»، النموذج الأمثل للعشوائية ودهس القانون، عندما تغض السلطة الطرف عن الأخطاء، فتصبح أزمة ثم كارثة عندما تفرض البلطجة الأمر الواقع، وبعد ذلك تتحرك الدولة بحثا عن حلول لأزمة من صناعتها عندما صمتت ولم تواجه المشكلة منذ البداية..


وما حدث مع التوك توك، تكرر في الإسكان بالعشوائيات، وفِي المواصلات بالميكروباصات، وفِي التعليم بانتشار مراكز الدروس الخصوصية، وفِي الكتب المدرسية بانتشار مؤسسة الفجالة، وفِي المذكرات الجامعية بمؤسسة بين السرايات الجامعية، ولو أن كل مسئول في موقعة قام بعمله في حدود القانون - كما يحدث في كل دول العالم - ما ظهرت تلك العشوائية، التي أصبحت عنوانا لحياتنا؛ في الأندية، والرياضة، والمدارس، والجامعات، والإسكان، والمواصلات، والمستشفيات، ولم يعد مقبولا بعد أن استردت الدولة عافيتها السكوت على ما يحدث.

وربما تكون البداية، بتنظيم كارثة التوك توك، في المدن، والشوارع الرئيسية، والتي وصل عددها وفق أقل تقديرات إلى 3 ملايين في ٢٧ محافظة، وينقل ٢٤ مليون مواطن، معرضين للتحرش والبلطجة، وظلت السلطات ترفض تقنين أوضاعه، حتى عندما راح بعض الصبية، يعيثون الفوضى في شوارع المدن الرئيسية، وهم يمرحون دون أرقام وترخيص، مما أضاع على الدولة ما يقارب 4 مليارات جنيه تراخيص ومخالفات..

بمعنى أنه لم يتم ترخيص سوى ١١١ ألف توك توك فقط، بينما تؤكد وزارة التنمية المحلية، أنه تم ترخيص ٢٣٣ ألف توك توك، بعد أن امتنعت ٩ محافظات عن إصدار التراخيص له، وهي: القاهرة، وبورسعيد، والسويس، والإسكندرية، والأقصر، والبحر الأحمر، والوادي الجديد، ومطروح، وجنوب سيناء، علما بأنه وفقا لدراسة الدكتور حمدي عرفة، يصل عدد سائقي التكاتك إلى ٤٦٪‏ من الأطفال؛ ما ساهم في الانفلات الأمني والأخلاقي والاجتماعي..

وقد بلغت ذروة تلك الحوادث في الريف والعزب التي تقدر بـ٤٧٢٧ قرية، و٢٦٧٥٧ كفرا ونجعا وعزبة، وكانت المشكلة الكبرى في استخدام التكاتك في الترويج للمخدرات، والسطو، والسرقة، والأعمال المنافية للآداب، غير أن الرأي الرسمي لوزارة التنمية المحلية أنها تستهدف ترخيص كل التكاتك وتقنن أوضاعه، للقضاء على الأمية ومحاربة الإدمان وتجارة المخدرات، وأن الوزارة لا تحارب الناس في رزقها ولكن لمحاصرة السرقة وجرائم المخدرات.

وكان الظهور الأول للتوك توك على استحياء في بعض القرى عام ٢٠٠٥، عندما أدخلته إحدى الجمعيات الخيرية للنقل بين القرى، وكمشروع تنموي، وفِي غفلة عن أعين الدولة، انتشر من النجوع إلى المدن والشوارع الرئيسية، وخرج إلى الطرق السريعة، وفِي تلك الفترة بدأ التفكير في آلية لتقنين الأوضاع، وكانت الأجهزة المحلية بالمدن والنجوع، تمنح التوك توك رخصا محلية لتحصيل الرسوم عليه ليس أكثر..

ولا يمكن القول إن الكارثة وصلت إلى ذروتها ولا يمكن تحجيمها؛ لأنه يمكن البدء فورا بعدم بيع أي تكاتك جديدة إلا بعد أن يتم ترخيصه من إدارات المرور، وذلك من خلال خطة مشتركة بين المرور ووزارتي الصناعة والتجارة، لإجبار الشركات المستوردة والمصنعة لقطع الغيار، خاصة وأن قانون المرور رقم ١٢١ لسنة ٢٠٠٨ وتعديلاته بقانون ٥٤ لسنة ٢٠١٤ نص صراحة على ترخيص التوك توك..

ثم إن جميع المصانع المصرح لها بالعمل في تصنيع وتجميع التكاتك، حصلت على موافقة كل الجهات المعنية بالدولة، وذلك يشكل حلا سريعا وغير مكلف، وعلى الأقل يحجم الظاهرة، بدلا من خلق كارثة جديدة بمشروع عربات الفان سعة ٧ ركاب، يكون خط سيرها بعيدا عن القرى والنجوع والعشوائيات؛ لتقليل حدة الزحام والقضاء على العشوائية التي تشوه منظر المدن المخططة، نتيجة سير التوك توك بها..

وهكذا ستصبح وسائل المواصلات في مصر، هي الأتوبيس والميكروباصات وعربات السوزوكي التي يطلق عليها «التُمناية» والموتسيكلات، هذا غير الأتوبيسات والقطارات والمترو؛ لتصبح شوارع المحروسة كرنفالا من المركبات المتعددة.
الجريدة الرسمية