محمد طلعت يكتب: محمد منير وغياب "الكبير"
من الممكن أن أكون شخصًا مبالغًا في تبريراتي للفنان محمد منير، ولكن الأكيد أنني لا أكذب إحساسي ونفسي بالشعور به، وعلى الرغم من أنني سئمت من انتظاره بحفل الجامعة الأمريكية، الجمعة الماضي، لمدة تقارب الساعة، إلا أنه فور صعوده على المسرح، وجدت نفسي أهيم لسماع "ويري"، وفور نطقها صرخت مثل المئات فرحًا بوجوده.
حفل الجامعة الأمريكية الذي ضم 3 فقرات، بدأت بالفنان أحمد كامل، وتوسطتها فرقة شارموفرز، وأخيرًا كان الكينج "مسك الختام"، وأشهد أن التنظيم كان فوق الممتاز، دخول وخروج وتحديد البوابات، والجميل في الأمر، هدوء الحضور بين بعضهم البعض، والجميع كان يستمتع بما يريده ويحبه بطريقته دون مضايقة الآخرين، ولكن...!
صعد منير للمسرح، شابًّا بملبس أنيق كالمعتاد، وألوان تجذب الأنظار، ولم يبد عليه أي تعب عضوي، كما أشيع من قبل البعض خلال الفترة الماضية، وإن كان ذلك لا يعيبه بل يزيد من مساندة محبيه له، ولكن الإشاعات التي ترددت فاقت سوء الأخلاق، وفي ظل عدم وجود مكتب إعلامي للرد عليها، فإنها تنطلق مسرعة للجميع، في ظل التكنولوجيا الحديثة، ومواقع "الزيف" الاجتماعي، وكان الكينج بدأ الحفلة بأغنية "علِّي صوتك"، وأرى في ذلك رسالة لنفسه قبل جمهوره؛ لاشتياقه إلى الغناء والتواجد دومًا معهم، ورد على كل من كان يريد أن يصدِّر أنه غير قادر على العطاء، من وجهة نظري، مستكملًا خلال الحفل رسالته بأغنية "يا طير مين علمك تبكي ولا تغنيش، أنا لو أغني الدنيا ما تسعنيش".
وعلى الرغم من إعلانه قبل غناء أغنية "أهل أول"، أنه يحبها ويغنيها من أجل حبه بها، إلا أنك تشعر به عندما يردد "وحشني كل ما فيكم، ياناس حتى أساميكم، يا ريت ترجع لنا الأيام، وأسلم على أياديكم، وأشم ريحة الرضا فيها، وأشياء ما أقدر أسمّيها"، بالغضب الجمِّ من شيء ما، وهو ما لم يعلمه أحد إلا المقربون منه، فاللهم أجعلنا منهم لزيادة علمنا بشخصيته التي نبنيها بناء على تكهنات شخصية.
الحفل لم يكن متكاملًا، إذ فقد أهم ما فيه، وإن كانت روح منير في الغناء حاضرة، فروحه في جمهوره لم تشجعه على الإبداع أكثر، فلأول مرة لم أسمع الهتاف المعتاد لـ"المنايرة": "الكبير كبير – بنحبك يا منير"، الذي هو إلهامه الدائم، والذي من بعده يغني ويتحدث ويناقش، حتى كلمته كانت مقتضبة، وإن كان قصف بها طلاب الكليات الإنجليزية، وأشار إلى تفوق جامعة القاهرة عن الأمريكية، ولم أشعر أنني أتواجد "وسط الدائرة"، ولكنني لا ألومه، وأوجه كل النقد للمنظمين الذين أطلقوا سعر التذكرة بـ450 جنيهًا، لجمهور شباب يعيش في مستوى اقتصادي متوسط، ويكاد يكون متدنيًا في ظل تدني الأجور والمرتبات، ولا أعتقد أن الأمر لم يدركه الكينج بعد أن رأى من بعيد أن الجمهور الملهم ومصدر طاقته غير متواجد وسط الجموع.
أخيرًا، وليس آخرًا، من الواضح أنني سأعود لحضور حفلات الفنان محمد منير كافة، وسأكون دائمًا حاضرًا، ليس للاستماع له، فأنا دائم على ذلك، ولكن الطاقة الإيجابية التي يمدها "الكينج" للحضور، تشعرك بأنك تستطيع أن تعود من سلبيتك إلى المجاهدة والمثابرة والنجاح، متمنيًا أن تكون له حفلة قريبًا بدار الأوبرا المصرية، على المسرح المكشوف، مهما استلزم الأمر، وعدم الاستماع إلى الخرافات التي تتحدث عن سلامته وأمنه، فجمهوره هو الملاذ والسلم والأمان، و"المنايرة" لا أشك لحظة في أنهم سيتحكمون بزمام الأمور، فهؤلاء رجال إن اختصمتهم تركوك، وإن لجأت إليهم ساندوك وحموك.