نجيب محفوظ يكتب: الدم الخفيف يتوقف على الشخصية
في مجلة صباح الخير عام 1966 سئل الأديب نجيب محفوظ سؤالا: لو طلب قراؤه منه أن يكتب لهم قصة كوميدية مرحة تشع منها قهقهاته فماذا يقدم؟
قال محفوظ: يبدو أن الإنسان يفرغ شحناته من الضحك في جلساته مع الأصدقاء، وحين يجلس ليكتب لكى ينفى عنه الهم بعيدا عنكم، والحقيقة أن الكاتب لا يكتب يقصد أن يكون مفرحا أو مفجعا.. أبدا الحكاية هي أسلوب الكاتب شخصيته وطبيعته، فمثلا المرحوم الزجال محمود بيرم التونسى حين كنت أجلس معه احس وكأنى سأختنق من الملل والوجوم، وحين اقرأ له أموت على نفسى من الضحك، وبالعكس الشاعر حافظ إبراهيم كان دمه اخف ما يكون حين تجلس معه، وفى شعره أنت تعرفه تماما.
المازنى أيضا كتابته كانت تثير الابتسام والضحك، لكن لو جلست معه لن تطيقه لحظة..وكلها طباع ياعزيزى.
وما يقال أن التراجيديا قد ماتت، لأنها لم تعد تتمشى مع طبيعة العصر الحديث الذي يقول العلم فيه الكلمة الأولى غير حقيقي.
وأقول ما هى التراجيديا..إنها بطولة الإنسان، مصرع البطل إزاء قوة لا مثيل له بها، لكن هزيمته في نفس الوقت تتحول إلى انتصار للإرادة البشرية.
إنها الإيمان ببطولة الفرد، بقيمته وباسترخاص الموت في سبيلها، بمعنى أنه لو لم تؤمن بالبطل لما كان أوديب بطلا ولما كانت الإلهة أبطالا.
التراجيديا في نظري تدور حول صراع الإنسان واستشهاده من أجل قيمة كبيرة، ومن هنا فوصف الفاجعة ليس تراجيديا، وموت الإنسان بمرض سرى خبيث ليس تراجيديا، ولو أن أوديب رجل فرنسى معاصر، واكتشف أنه ضاجع أمه فماذا سيكون تصرفه.... سيهجر مدينته ويبرر المسألة مع نفسه ويبدأ حياة جديدة،، لكن لأن أوديب كان يؤمن بالقيم كانت تراجيديته المحتومة.
لهذا يمكن أن أقول إن التراجيديا بمعناها القديم ليست موجودة، لكن حين يوجد المجتمع المليء بالصراع الذي تتصادم فيه قوى الخير وقوى الشر.. المجتمع الذي يسعى من أجل قيم وبطولات ليؤكد بها ذاتيته.. مثل هذا المجتمع من الممكن أن تخلق فيه تراجيديات فنية عظيمة متعددة.