محمود زنون يكتب: ماذا بعد البشير
استقيظ العالم على خبر اعتقال الرئيس السوداني عمر البشير، الذي ظل يحكم لمدة ثلاثين عاما، كلها ظلمٌ وجهلٌ وفقرٌ، منذ انقلابه عام 1989على حكومة الصادق المهدي، حيث امتدت جرائمه، بعدما تم إثباته من علاقته بالجماعات المتمردة والمجندين العسكرين الذين قاموا بهجمات عنف وعمليات عسكرية، سواء في إقليم دارفور أو في جنوب السودان.
ولقد اندلعت تلك المظاهرات منذ أكثر من أربعة شهور، مطالبة بإقالة البشير ومنددة بالجرائم التي ارتكبها هو وأسرته في حق الشعب السوداني منذ سنوات عديدة.
اندلعت تلك المظاهرات في 19ديسمبر عام 2018، وامتدت من إقليمي بورتسودان وعطبرة؛ بسببِ ارتفاع الأسعار، وغلاء المعيشة، وتدهور حال البلد على كلّ المستويات، وامتدت لتصل العاصمة "الخرطوم" في 20 ديسمبر، وتطورت المطالب لإسقاط نظام البشير، فخرج البشير بوعود بـ "إصلاحات جدية"، وحينما تأكد المتظاهرون أن وعوده زائفة زادت المظاهرات حدة، واشتعالًا فلم يبقَ أمام البشير وحكومته إلا استخدام العنف؛ حيث ووجه المتظاهرون برد فعل عنيف من قِبل السلطات التي استعملت مُختلف الأسلحة في تفريقهم، ومن ضمن أسلحتهم الغاز المسيل للدموع، والرصاص المطاطي، بل شهدت بعض المدن استعمالًا واضحًا للرصاص الحيّ من قبل قوات الأمن السودانية؛ مما تسبب في سقوط عشرات القتلى والجرحى في صفوف المتظاهرين؛ ما زاد الأمر سوءًا وزادت أعداد المتظاهرين، وبعدما كان الأمر مقتصرًا على الفقراء فقط، انضمت إلى المظاهرات الطبقات الوسطى والطبقة فوق الوسطى، فلم يبقَ أمام الجيش إلا أن ينحاز إلى المتظاهرين، ويحقق رغبتهم.
كان هناك اجتماع بين كبار قادة الجيش وكبار قادة المخابرات والشرطة لإقناع البشير بالتنحي بسلمية، وانتقال وتداول السلطة بشكل سلمي، إلا أنه رفض رفضًا باتًّا، وقام وترك الاجتماع متوجها إلى مدينة العلفون؛ حيث إنه يمتلك مزرعة هناك، ومدينة العلفون يعيش بها عدد كبير من رجال حاشيته؛ حيث إنه قرأ في عيون قادة جيشه مشهد انقلاب عسكري عليه، بناء على مطالب الشعب السوداني، فذهب إلى تلك المدينة، لكي يحتمي برجال حشيته قبل أن يطلب السفر لعدة دول عربية، ولكن شاء القدر أن مجموعة عسكرية من قوات الدعم السريع، التابعة لرئاسة الجمهورية التي يقودها العميد محمد حمدان، لاحقت البشير واعتقلته ونقلته إلى مقر القوات المسلحة السودانية، وتحت حراسات مشددة.
بعدها خرج البيان العسكري الذي بثه التليفزيون الرسمي ببيانه الأول الذي قال فيه: إنه تم تعطيل العمل بالدستور، وحل المجلس الوطني، ومجلس الولايات وحكومات الولايات ومجالسها التشريعية ومجلس الوزراء، مع استمرار عمل النيابة والقضاء.
وطمأن عوض بن عوف دول العالم بالالتزام بالاتفاقات الدولية واستمرار عمل السفارات والبعثات الدبلوماسية المعتمدة لدى السودان.
وقال أيضا إن الفقراء زادوا فقرًا، والأغنياء زاد غناهم، وأضاف أن الشعب كان مسامحًا وكريمًا، رغم ما أصاب المنطقة، فقد خرج شبابه في تظاهرات سلمية تعبر عنها شعاراتهم منذ ديسمبر الماضي.
وتابع: إن النظام ظل يردد الوعود الكاذبة حول مطالب الشعب السوداني، ودعا عوض بن عوف للترحم على الشهداء، وتمنى الشفاء للجرحى والمصابين، وأن يتحمل الشعب السوداني الإجراءات الأمنية المشددة.
وأشار إلى أن اللجنة الأمنية حذرت من الأوضاع، وسوء الإدارة والفساد، لكن نظام البشير عاند كل ذلك، وأصر على المعالجة الأمنية التي أدت إلى سقوط قتلى ومصابين.
ولكن هناك سؤالين يطرحان نفسهما على أرض الواقع، ولعل الأيام المقبلة تجود علينا بإجابتهما: ماذا بعد البشير؟! وما مصيره؟!