رئيس التحرير
عصام كامل

الشيخ أحمد التركي يكتب: فضل المكث في المساجد بعد الصلاة

احمد تركي
احمد تركي


من أعظم البقاع عند الله مساجدُها؛ فـ "الْمَسَاجِدُ بُيُوتُ اللهِ فِي الْأَرْضِ تُضِيءُ لِأَهْلِهَا كَمَا تُضِيءُ نُجُومُ السَّمَاءِ لِأَهْلِ الأَرْضِ"، رُوِي موقوفًا على ابن عباس. وهي أحب البلاد إلى الله، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَحَبُّ الْبِلَادِ إِلَى اللهِ مَسَاجِدُهَا" (رواه مسلمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-).


لأنها بيوتُ الطاعةِ وأساسُ التقوى ومحلُ تنزلات الرحمة، ولذلك يفرح الله بالرجل يمكث في المسجد للصلاة والذكر؛ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَا تَوَطَّنَ رَجُلٌ مُسْلِمٌ الْمَسَاجِدَ لِلصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ إِلَّا تَبَشْبَشَ اللَّهُ لَهُ، كَمَا يَتَبَشْبَشُ أَهْلُ الْغَائِبِ بِغَائِبِهِمْ إِذَا قَدِمَ عَلَيْهِمْ" (رواه ابن ماجه، وصححه الألباني عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللهُ عنه).

وقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "وَأَبْغَضُ الْبِلَادِ إِلَى اللهِ أَسْوَاقُهَا".. (واه مسلمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-)؛ لأنها مواطن الغفلة والحرص والغش والفتن والطمع والخيانةِ والأيمانِ الكاذبةِ والأعراضِ الفانية، فالمراد بمحبته وبغضه للذي يقع فيهما.

🔖 وأثمنُ المجالسِ وأعظمُها وأجلُها مجلسٌ يجلسه العبد ينتظر فيه الصلاة المكتوبة، قَالَ رَسُولُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا يَزَالُ العَبْدُ فِي صَلاةٍ مَا كَانَ فِي مُصَلاهُ يَنْتَظِرُ الصَّلاةَ، وَتَقُولُ المَلائِكَةُ، اللَّهمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهمَّ ارْحَمْهُ حَتَّى يَنْصَرِفَ أَوْ يُحْدِثَ".. (متفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-).

العبد الضعيف المنتظر للصلاة تحتفي به ملائكة الله هذا الاحتفاء، وتدعو له بهذه الدعوات المباركات: "اللَّهمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهمَّ ارْحَمْهُ".. ليس مرة ولا مرتين، وإنما حَتَّى يَنْصَرِفَ أَوْ يُحْدِثَ. فهل وعينا هذا الفضل وحرصنا عليه..؟

وهو كذلك في صلاة ما انتظر الصلاة، قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَخَّرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الصَّلَاةَ ذَاتَ لَيْلَةٍ إِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ، ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا فَلَمَّا صَلَّى أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: "إِنَّ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا وَرَقَدُوا وَإِنَّكُمْ لَنْ تَزَالُوا فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرْتُمْ الصَّلَاةَ".. (رواه البخاري ومسلم).

وفي حديث عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: "وَالْقَاعِدُ يَرْعَى الصَّلَاةَ كَالْقَانِتِ، وَيُكْتَبُ مِنَ الْمُصَلِّينَ مِنْ حِينِ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْهِ".. (رواه أحمد وغيره، وصححه الألباني).

ما أكثر تفريطنا، وما أكثر وأفضل من التبكير للصلاة وانتظارِها حتى تُقام، انتظارُ الصلاةِ بعد الصلاة، قال ابن رجب -رحمه الله-: "وهذا يعني "انتظارُ الصلاةِ بعد الصلاة"، أفضل من الجلوس قبل الصلاة لانتظارها، فإن الجالس لانتظار الصلاة ليؤديها ثم يذهب تقصر مدة انتظاره، بخلاف من صلى صلاة، ثم جلس ينتظر أخرى، فإن مدته تطول".

وقال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي فَضلِ الجلوس بعد الصلاة لانتظار الأخرى: "أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟"، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ؛ فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ".. (رواه مسلم وغيره عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ).

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضْيَ اللهُ عَنْهُما- قَالَ: صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَغْرِبَ، فَرَجَعَ مَنْ رَجَعَ وَعَقَّبَ مَنْ عَقَّبَ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُسْرِعًا قَدْ حَفَزَهُ النَّفَسُ وَقَدْ حَسَرَ عَنْ رُكْبَتَيْهِ؛ فَقَالَ: "أَبْشِرُوا هَذَا رَبُّكُمْ قَدْ فَتَحَ بَابًا مِنْ أَبْوَابِ السَّمَاءِ يُبَاهِي بِكُمْ الْمَلَائِكَةَ يَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي قَدْ قَضَوْا فَرِيضَةً وَهُمْ يَنْتَظِرُونَ أُخْرَى". (رواه أحمد، وابن ماجه، واللفظ له وصححه الألباني).

وقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مُنْتَظِرُ الصَّلَاةِ مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ، كَفَارِسٍ اشْتَدَّ بِهِ فَرَسُهُ فِي سَبِيلِ اللهِ عَلَى كَشْحِهِ، (أي: عدوه)، تُصَلِّي عَلَيْهِ مَلَائِكَةُ اللهِ، مَا لَمْ يُحْدِثْ أَوْ يَقُمْ، وَهُوَ فِي الرِّبَاطِ الْأَكْبَرِ".. (رواه أحمد والطبراني عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وحسنه الألباني).

فعَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ صَلَّى الغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ"، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ" (رواه الترمذي وحسنه الألباني)".

وثبت في صحيح مسلم، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا صَلَّى الْفَجْرَ جَلَسَ فِي مُصَلَّاهُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَسَنًا"، ولفظه عند أبي داود "إِذَا صَلَّى الْفَجْرَ تَرَبَّعَ فِي مَجْلِسِهِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَسْنَاءَ"، أي: أي طلوعًا حسنًا أي تكون مرتفعة.
Advertisements
الجريدة الرسمية