"الإسلاميين" خارج حسابات الشارع الجزائري.. انخفاض غير مسبوق في شعبية التيار الديني.. فاتورة العشرية السوداء تمنع إعادة إنتاج التطرف مرة أخرى..سامح عيد: تيارات ضعيفة جماهيريًا ولن تتصدر الساحة
تعيش تيارات الإسلام السياسي، وخاصة جماعة الإخوان الإرهابية، في توتر دائم، منذ استقالة الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، بسبب انخفاض شعبيتهم، ورفض الأطياف الشعبية المختلفة للخيار الديني، الذي اكتوت منه البلاد في العشرية السوداء، وهو ما انعكس على تصريحات قادة تيارات المجتمع المدني، الذي يرون الإخوان وانصارها، أضعف من أي وقت مضى.
لا سيطرة ولا ترهيب
سيطرت التيارات الدينية على كل مفاتيح التغيير المتوقع في الجزائر منذ أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، وكانت السبب الرئيسي في انفجار الأوضاع بالبلاد، بعد تدخل المؤسسة العسكرية لمنع وقوع الجزائر في براثن التطرف، الذي كان يختبئ داخل مكونات ما سمي بالجبهة الإسلامية للإنقاذ يناير عام 1992، فألغيت نتائج الانتخابات البرلمانية، لتؤكد التيارات الدينية سريعا تخوفات المؤسسة العسكرية بتحولها فورا للعنف ورفع السلاح، وتفجير حرب أهلية في البلاد.
بعد نجاح الرئيس بوتفليقة في إحلال الهدوء، لم تتوقف مراجعات النخبة والقوى المجتمعية وحتى الشارع الجزائري نفسه، تراجعت التيارات الدينية، ولم تعد تملك إلا تأثير ذاتي في الأوساط الموالية لها من أتباع التيار الديني، ومع تفجر الاحتجاجات الجزائرية الأخيرة، لإيجاد رئيس آخر للبلاد، كانت أول المطالب الشعبية، مواجهة أي محاولة لأسلمة الشارع، ونال وجدي غنيم، الداعية التكفيري الإخواني الكثير من الإهانات، بسبب دعوته لأسلمه الاحتجاجات، ورد عليه جزائريون يطالبونه وأقرانه بالابتعاد تماما عن شئون الجزائر.
الأقل عددًا وتأثيرًا
لم يعد الإخوان هم الأكثر تنظيمًا وعددًا، على حساب التيارات المدنية، سنوات الإرهاب في أوائل التسعينيات، جعلت الأمور تتغير رأسا على عقب، ولاسيما بعد تأكد الجزائريين أن رفضهم حكم الحزب الواحد، لا يعني أنهم على استعداد لإعادة إنتاج أصولية، تكتسب قوتها من خطاب ديني متطرف، وهو ما تنتبه له إخوان الجزائر جيدا، ولا يشارك أعضاؤها في الاحتجاجات إلا بصفتهم الحزبية، دون الإشارة لأي هوية أو شعارات دينية، وخاصة أنهم يعلمون جيدا أن أحد شعارات التجمعات «لا للتطرف».
ما تقوله السطور السابقة، يؤكد عليه رئيس التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية محسن بلعباس، ويشير إلى ضعف الإسلاميين، وعدم قدرتهم على الحشد كما كانوا، ويوضح أنهم لن يكون بإمكانهم السيطرة على التجمعات الشعبية الحالية.
ويرى بالعباس، أن القوى المدنية التي تطالب بحل جبهة التحرير الوطني الحاكمة لاحتكارها السلطة منذ استقلال 1962، لن يكون لديها أدنى شك في رفض أي مظهر ديني، يسيطر على الموجة الاحتجاجية، ويدفعها إلى الفشل، ويعرض البلاد للخطر، كما فعلت الإخوان بمصر وتونس وليبيا.
تيار ضعيف
سامح عيد، الباحث في شئون الجماعات الإسلاموية، يؤكد هو الآخر، أن الإخوان تيار ضعيف في الجزائر حاليًا، وليس له قواعد شعبية، تمكنه من تصدر السلطة، موضحا أن الجماعة الجزائرية أصبحت على علم بمآلات التجارب المحيطة بهم في مصر وليبيا، ومخاطر السعي إلى الحكم.
وأوضح أن إخوان الجزائر حضروا جميع مراحل الأزمات والصدام مع السلطة، وكان أداؤهم السياسي يتغير من وقتٍ لآخر، ورغم اختيارهم نهجًا آخر بعيدًا عن المواجهة المباشرة مع الأنظمة، ولكن تبقى أدبيات وقناعات الإخوان الأم، وتجربتهم، وموقفهم من المشهد الإقليمي والدولي، حجلر عثرة أمام تقدمهم الصفوف بعد رحيل بوتفليقة.