قليل من المعارضة تصلح الأوطان
لو شاء الله لجعل الناس أمة واحدة ولغة واحدة وهيئة واحدة، ولكن الله جلت قدرته جعل في الاختلاف آيات لأولي الألباب، ولذلك خلق كل شيء في الكون زوجين، الرجل والمرأة، والسماء والأرض، والجبال والمحيطات، والجنة والنار، والليل والنهار، والشمس والقمر، والملائكة والشياطين، ليظل الله هو الواحد الأحد فقط سبحانه وتعالى..
وهذا التوازن الدقيق في الكون بفعل تلك الثنائية، فلا الليل يسبق النهار، ولا المحيطات تغطي على الجبال، ولكن كل يسبح في فلكه بنظام محكم، وتلك الآيات لقوم يعقلون، بل أن في خلق الإنسان نفسه تلك الثنائية لخلق التوازن، وفِي أنفسكم أفلا تبصرون، هكذا يتعجب القرآن ممن يصر على الصمم والعمي، ويتجاهل آيات الله في نفسه والكون..
وتلك مقدمة ضرورية لإثبات أن أي نظام حكم أو أغلبية تحتاج إلى أقلية ومعارضة، وتلك من بديهيات الخلق والأشياء، ولكننا في زمن نحتاج للتذكير بالبديهيات، بل أن في وجود المعارضة ضمان للسلطة وللحاكم نفسه في الاستقرار والاستمرار، ويتعجب المرء عندما نجد الله عز في علاه يسمح لإبليس بمعارضة أمره للسجود لآدم، ويمهله إلى يوم الدين، بل وهناك ملايين من خلقه لا يؤمنون به، ويعبدون من سواه البقر، ولا يسخطهم وهو القادر على ذلك، بكن فتكون، بل إنه يرزقهم ويحييهم ويرجئهم ليوم الحساب لمنحهم فرصة التفكر والتوبة..
والأمر هكذا لم يعد مقبولا ولا منطقيا ولا واقعيا في عصر تدفق المعلومات وإتاحتها وتيسير التعبير عن حرية الرأي أن يتم تقييد حرية التعبير واللجوء للتكفير والتخوين لأي معارض، وسد كل منافذ الرأي الآخر، لدرجة عدم وجود حزب للاغلبية خوفا من نشوء حزب آخر للمعارضة، بمنطق شيء لزوم الشيء، وامتد الأمر لوأد الأحزاب والنقابات واتحادات الطلاب والمجالس المحلية الشعبية، والتضييق على وسائل الإعلام.
يحدث ذلك بعد أكبر حدثين في تاريخ مصر في ٢٠١١ و٢٠١٣ وخروج الناس للشوارع تطالب بالحرية والكرامة، وتنتفض ضد حكم الفرد، واستبداد الجماعة الإخوانية، وتغول مرسي في إعلان دستوري يمنحه حقوقا شبه إلهية، ويتجاهل كثيرون في السلطة أن مبارك نجح في الحكم لثلاثين عاما لتوظيفه ديمقراطية البرستو في التخلص من الانسداد الحراري، فقد كان مسموحا بقدر من التنفيس حتى لا يظل البخار محبوسا فينفجر في وجه الجميع، كما حدث بعد انتخابات ٢٠١٠ بمنع أي تواجد شرعي أو قنوات للمعارضة، فلم تجد سوى الشارع ملجأ للتنفيس ولخلق التوازن والثنائية التي خلقها الله في كل شيء.
ولذا فإن المعارضة سلوك إنساني فطري، خلقه الله وحظرها ضد الناموس الطبيعي للخلق والكون والحياة، ذلك لأن الحرية هي أغلى ما يمكن أن يحصل عليه الكائن الحى.. وتهون بجانبها كل وسائل الحياة من خدمات ومرافق ورفاهية، فكل ما يلقى إلى الكتاكيت من فتات الحياة لكى يأكلوا ويشكروا ويبوسوا أيديهم وش وضهر، ولاحظ أن الدجاج حين يسمح لها بالخروج من القفص لتأكل فإنها تجري بعيدا عن الطعام لتستمتع بالحرية وتترك الدشيشة.
ولو وضعت ضفدعا في إناء من ذهب ثم تركته بجوار مستنقع من طين ووحل ومياه عفن ستجد أنه قفز من قيد الإناء الذهب إلى حرية المستنقع بوحله وعفنه.. الحرية مصدر للحياة كالماء والهواء وعلاج من الإسقام كالدواء.. والأحرار وحدهم هم صناع الحياة وحاملو مشاعل الأمل ورافعو رايات الغد الأفضل.. وحبذا لو كانت الحرية مسئولة وواعية وناضجة.. بسم الله الرحمن الرحيم (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) صدق الله العظيم.