رئيس التحرير
عصام كامل

أبلة فضيلة.. «غنوة وحدوتة».. 90 عاما على ميلاد أيقونة برامج الأطفال بالإذاعة المصرية.. الموهبة ظهرت من البداية.. رفضت التليفزيون من أجل موجات «الأثير».. ووسام الاستحقاق دليل دورها

فيتو

«يا ولاد يا ولاد.. تعالوا تعالوا.. علشان نسمع أبلة فضيلة.. راح تحكيلنا حكاية جميلة»، كلمات كانت حينما تصدر عن الراديو يتجمع الأطفال، ويلتفون حوله، وفى لهفة ينتظرون، فهى تؤذن ببدء الاستماع إلى الصوت الدافئ الحنون الذي يحكى للصغار القصص والحواديت عبر أثير الإذاعة المصرية، إنه صوت فضيلة توفيق، أو أبلة فضيلة، التي أتمت عامها الـ90، ولا يزال صدى ما قدمته يتردد حتى اليوم، ولا تزال هي على رأس قائمة أشهر الإذاعيات في الوطن العربي، وأشهر من قدمت برامج الأطفال في الإذاعة المصرية.


البداية
ولدت أبلة فضيلة عام 1929 لأب مصري وأم تركية، وهى شقيقة الفنانة محسنة توفيق، كانت فضيلة عاشقة للقصص منذ نعومة أظفارها، فقد كانت والدتها تجمعها مع أشقائها لتحكي لهم الحواديت الفلكلورية، وكذلك كان يفعل جَدها، ولكنه كان يحكي لهم قصصًا دينية، فتغلغلت القصص والحواديت في وجدانها.

ومع الوقت أصبحت هي عاشقة لحكى القصص للصغار في محيطها، وكانت جيدة في ذلك، خاصة أنها كانت تمتلك القدرة على الإلقاء الجيد، وكانت تتمنى منذ الصغر أن تنتمى إلى عالم الإذاعة الذي كان يسحرها، فقد كانت تستمع إلى «بابا صادق» يحكى للصغار الحواديت عبر الإذاعة، ومن فرط عشقها للحكايات ومقدمها، كانت تتمنى أن تدخل إلى داخل جهاز الراديو لتلتقى بصاحب الصوت، وحينما فهمت طبيعة عمل الجهاز، تمنت أن تذهب إلى الإذاعة حيث بابا صادق، لكى تقابله.

تغيير مسار
ولكن حين أصبحت شابة، غاب حلم الإذاعة عن ذهنها، وأرادت أبلة فضيلة أن تلتحق بكلية الحقوق جامعة القاهرة، لكى تصبح محامية أو وزيرة، وبعد التخرج التحقت بمكتب الوزير حامد باشا زكي، لكى تتدرب لديه كمحامية، ولكنها لم تصمد في هذه المهنة، فطيبة قلبها والحنان الفطري الذي يسكنه لم يتماشى مع المحاماة، وبالفعل قررت تغيير مسارها المهني وألحقها حامد باشا بالإذاعة، وقدمت عددا من البرامج، ولكن انطلاقتها الحقيقية كانت عام 1959، حينما أصبح «بابا شارو» يقدم برامج الأطفال بالإذاعة للتليفزيون، فأصبحت هي مسئولة عن تقديم برامج الأطفال بالإذاعة من بعده بدعم منه وتشجيعه.

غنوة وحدوتة
قدمت أبلة فضيلة على مدار مشوارها الإذاعي، عدة برامج، ولكن يظل «غنوة وحدوتة»، هو أشهر برامجها على الإطلاق، وسر حصولها على لقب «أبلة فضيلة»، كان الصغار ينتظرون برنامجها هذا بشغف، ليستمعوا إلى قصص وحواديت مثل حكاية كوب اللبن، وبنت الفلاحة، والمقشة الصغيرة، والكلب الصغير، وإلى جانب هذه القصص الأخاذة، والنصائح القيمة التي تتضمنها، فإن أبلة فضيلة قدمت ببرنامجها مجموعة من الأطفال الموهوبين مثل صفاء أبو السعود وهانى شاكر ومدحت صالح.

حققت أبلة فضيلة نجاحًا كبيرًا مع الأطفال، برغم أنها لم تتزوج وتنجب إلا بعد أن بدأت مشوارها الإذاعى مع الأطفال وخطت فيه خطوات ثابتة، فقد تزوجت من كبير مهندسي الإذاعة المصرية إبراهيم أبو سريع، وأنجبت ابنتها الوحيدة ريم، ولقد أثر الإنجاب كثيرًا في طريقة تقديمها للبرنامج، فقد قلصت من حجم المحاذير التي كانت تلقيها على مسامع الصغار، وحرصت على أن تشجعهم على الاختيار وإبداء رأيهم.

إغراءات
وعلى مدى مشوار ناجح وطويل، ظلت الأبلة متعلقة بالإذاعة، بالرغم من الإغراءات التي عُرضت عليها، وتعدد محاولات إقناعها بالظهور على شاشة التليفزيون حتى من قبل سوزان مبارك، فقد كانت تؤمن أن الإذاعة بها سحر خاص، وأنها تمنح المستمع قدرًا من الخيال لا تمنحه شاشة التليفزيون، لذا فقد استمرت في تقديم نصائحها وقصصها للأطفال على مدار نصف قرن من الزمان عبر الميكروفون، دون كلل أو ملل وحتى سنوات قليلة ماضية، ونظير جهودها حصلت أبلة فضيلة على وسام الاستحقاق من رئيس الجمهورية الأسبق حسني مبارك، ولكن جائزتها الكبرى التي لا تزال تحصل عليها يوميًا هي الابتسامة على وجه كل من يستمع إلى صوتها، الذي يحمل ذكريات وحكايات من الطفولة أثرت في جيل كامل من الصغار، والذي ترك من بعده الساحة خالية من برامج الأطفال الهادفة التي تؤثر في وجدان الصغار وتشكل وعيهم وتقوّم من سلوكياتهم.

والأسبوع الماضي أتمت أبلة فضيلة عامها التسعين.. ورغم ابتعادها عن ميكروفون الإذاعة فإنها لا تزال حاضرة بيننا بصوتها المميز وحكاياتها الرائعة.

"نقلا عن العدد الورقي..."
الجريدة الرسمية