رئيس التحرير
عصام كامل

إجازة الحيض.. نساء مصر في مواجهة "ثقافة العيب"

فيتو

أثارت إجازة أيام الحيض التي بادرت بمنحها شركة خاصة لموظفاتها أثناء دوراتهن الشهرية الكثير من الجدل وفجرت الحديث عن المسموح وغير المسموح به في المجتمع. من مبادرة لدعم المرأة في تأديتها لعملها وتشجيعها على الإبداع في عملها داخل شركة خاصة إلى جدل مجتمعي حول ما يَصح ولا يَصح ومفهوم الحياء في مقابل ما وصفه البعض بـ "قلة الأدب".

الإجازة "كشف لستر المرأة"
قررت شركة مصرية مؤخرا منح يوم إجازة مدفوع الأجر للعاملات بها أثناء دورتهن الشهرية والسماح لهن بالعمل من المنزل خلال تلك الفترة إذا ناسبت ظروف العمل ذلك، لتصبح مصر الدولة العربية الأولى التي تخطو نحو تطبيق هذه السياسة التي يطبقها عدد محدود من الدول حول العالم مثل إيطاليا والفلبين وإندونيسيا.

رانيا مصطفى، مديرة قسم الموارد البشرية بالشركة منفذة المبادرة، شرحت لـ DW عربية أسباب تبني مكان عملها لاقتراحها وتقول: "لاحظت الشركة العديد من الدعوات على مواقع التواصل الاجتماعي بإعطاء إجازة مدفوعة الأجر للعاملات أثناء دورتهن الشهرية، ليقرر رئيس مجلس الإدارة تنفيذ الفكرة بالرغم من صعوبتها بسبب الخوف من أي تأثير سلبي على سير العمل والتسبب في أي حرج للفتاة أو السيدة".

ووفقا لما جاء بنص القرار، تم اتخاذ القرار بعد مراجعة عدة أبحاث علمية حول الألم الذي تشعر به المرأة خلال الدورة الشهرية بما دفعها لإصدار القرار سعيا للتأكد من قيام جميع موظفي بأداء مهام عملهن بكامل طاقاتهن ليكون لديهم "قدرة على الإبداع".

ما أن وجد القرار سبيله نحو مواقع التواصل الاجتماعي، حتى انطلق نقاش بين جبهتين، الأولى رافضة للأمر باعتباره "لا يصح لأنه يخدش الحياء" ولتناقضه مع قيم المجتمع المحافظ، والثانية مؤيدة للقرار لدعمه للمرأة وتفهمه لـ "متطلباتها الجسمانية والنفسية".

وفيما أضافت رانيا مصطفى: "وجدنا حلولًا للأمر من خلال السماح بيوم إجازة واحد فقط مدفوع الأجر مع إمكانية العمل من خلال المنزل، على أن يكون الاتفاق بين الموظفة ومديرة الموارد البشرية بما يرفع أي حرج من على الموظفات عند طلبهن ليوم الإجازة".

وتواصل الجدل عبر البرامج التليفزيونية، حيث سخر الإعلامي عمرو أديب من المبادرة معتبرا أنها ستؤدي لعدم المساواة بين المرأة والرجل في عدد أيام الإجازات.

ورفض الداعية الإسلامي دكتور مبروك عطية، عبر واحد من البرامج المسائية الشهيرة، إعطاء إجازة للسيدات أثناء دورتهن الشهرية لكونها "أذى للرجال وليس النساء" ولاعتبار فكرة الإجازة "كشف لستر المرأة".

وتُعلق رانيا مصطفى، مديرة قسم الموارد البشرية بالشركة منفذة المبادرة قائلة: "توقعنا ردود الفعل المنتقدة للقرار في حالة انتشارها إعلاميا، وهو ما حدث بالفعل بما في ذلك داخل دائرة معارفي وأصدقائي لرفضهم فكرة التحدث علنا عن الدورة الشهرية ومعرفة الزملاء من الجنس الآخر بالأمر".

الفصل بسبب "حضن"
نظرة الكثيرين لمبادرة "الإجازة مدفوعة الأجر أثناء الدورة الشهرية" باعتبارها "كشف للستر" و"إخلال بالحياء العام" وامتداد هجومهم للوصول باتهامات بمحاولة نشر أفكار غريبة عن المجتمع حول الحقوق والحريات الشخصية تثير التساؤل حول المقصود بمفهوم "العيب" في المجتمع المصري.

وتؤكد لبنى درويش، مسئولة ملف النوع الاجتماعي وقضايا النساء بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، في حوارها ل DW عربية على أن مفهوم "العيب" يختلف باختلاف فئات المجتمع ولكن عندما يأتي الأمر للحديث عن الدورة الشهرية، تتفق الأغلبية على تجنب الحديث العلني عنه.

تقول لبنى: "الدورة الشهرية وآي موضوع مرتبط بجسم المرأة يعتبر عيب في المجتمع المصري، فمنذ الطفولة يتم تربية الفتيات على عدم الحديث عن الأمور المتعلقة بأجسادهن حتى مع الأب والأخ والتعامل معها في الخفاء ".

عملت لبنى درويش على تقرير أصدرته المبادرة المصرية للحقوق الشخصية مؤخرا بعنوان "الدورة الشهرية في السجون" ضمن حملة تدعو إلى إعادة النظر في حقوق السجينات لتوفير احتياجاتهن بما فيها الفوط الصحية لاستخدامها أثناء دورتهن الشهرية.

ولا تعد مبادرة "إجازة الدورة الشهرية" المرة الأولى التي يتم فيها طرح الحديث حول حدود "العيب" وما يصح وما لا يصح في المجتمع المصري. ففي شهر يناير الماضي تم تداول مقطع فيديو لما عرف إعلاميا بـ "واقعة الحضن" حيث احتفل طالب بزميلة له واحتضنها داخل الحرم الجامعي بمدينة المنصورة، لتقرر جامعة المنصورة فصل الطالب لمدة عامين.

وتلى الفصل المؤقت للطالب قرار آخر من جامعة الأزهر بالفصل النهائي للطالبة المنتسبة لها، ليتدخل فضيلة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر بشكل شخصي من أجل حث الجامعة على إعادة النظر في العقوبة المفروضة على الفتاة.

وترى لبنى درويش، مسئول ملف النوع الاجتماعي وقضايا النساء بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، أن المنظور الذكوري بالمجتمع واحد من أسباب ما ينتج من جدل عند الحديث حول القضايا المتعلقة بجسد المرأة والتي يأتي من ضمنها التعبير العلني عن المشاعر وتقول: "غير مسموح بالمرأة بالتعبير علنا عن مشاعرها، ويمتد الأمر للمتزوجين أيضا فهم لا يفصحون عادة في العلن عن مشاعرهم لبعضهم البعض أمام الآخرين، وواحد من الأسباب خلف هذا هو الفكر الذكوري الذي يؤدي إلى إحساس الجميع باستحقاق الرجل لجسد المرأة بعيدا عن الأنظار".

التغيير له ضحايا
واقعة أخرى عُرفت إعلاميا في مصر بـ "فتاة التجمع الخامس" والتي قامت بتصوير مقطع فيديو لشاب أثناء معاكسته لها ودعوتها لاحتساء القهوة، وهو ما رفضته واعتبرته محاولة للتحرش بها. الواقعة فتحت الباب لجدل ما بين حق الفتاة في الدفاع عن نفسها ضد محاولات التحرش والحديث عن عدم ارتكاب الشاب بسوء.

وتؤكد لبنى درويش، في حديثها لـ DW عربية هنا على ملاحظة تغير بعض المفاهيم بالمجتمع، حيث تقول "لم يكن مسموحًا للمرأة في مصر منذ عدة سنوات أن تتحدث علنا عن تعرضها للتحرش حيث كانت ستتعرض حينها للهجوم الشديد للومها باعتبارها السبب، ولكننا نجد اليوم العديد من النساء اللاتي أصبح لديهن من الشجاعة ما يكفي للحديث علنا عن الموضوع، وهذا دليل على نجاح المرأة في فرض الكثير من القضايا على أجندة المجتمع ومحاولة فتح حوار عنها".

كما تتوقع درويش أن يستمر التغيير، مؤكدة احتمال وقوع كثير من الضحايا حيث تقول: "بعض الأشخاص يبادرون بالدفاع عن حرياتهم وحقوقهم الشخصية وعند قيامهم بذلك يحصل هؤلاء على دعم وتضامن البعض لهم في مقابل مقاومة على الجانب الآخر بما في ذلك من جانب الدولة. وهذه هي آلية حدوث التغيير".

هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل


الجريدة الرسمية