"رمسيس الثاني" الملك العاشق
قالوا عنه إنه فرعون موسى.. قالوا عنه إنه من نكل بقومه وأفسد في الأرض.. قالوا عنه إنه الظالم الأكبر ومن تحدى إله الأرض والسماء.. قالوا عنه إنه تكبر وطغى ونادى في قومه (أنا ربكم الأعلى).. قالوا عنه إنه عذب سيدة نساء الجنة بحرارة الشمس (زوجته آسيا) التي بنى لها الله بيتا في الجنة..
إنه "رمسيس الثانى" أقوى ملوك الأسرة الثامنة عشرة، (ملك ملوك الأرض) و(شمس الإله)، ففى عهده اتسعت رقعة الإمبراطورية المصرية لتصل لأقصى مداها ما بين تركيا شمالا والسودان جنوبا..
لم أصدقهم..
فكيف يجتمع العشق والوله، والكره والحقد والظلم، في آن واحد في قلب رجل واحد؟!.. كيف يكون الملك العاشق "رمسيس الثانى" فرعون كل العصور من ذاب حبا في زوجته الأولى (نفرتارى) جميلة الجميلات باللغة العربية، أو (حلاوتهم) باللغة العامية، والذي بنى لها معبدا خاصا بجوار معبده الضخم في أبى سمبل بأسوان (مدينة الألهة)، هو نفسه الفرعون الظالم الذي تعرفه الأديان السماوية؟!
فصاحب القلب المرهف والأحاسيس البلورية لا يمكن أن يقسو على شعبه وأهل بلده.
من يقرأ كلماته الرقيقة التي نقشت على جدران معبد "نفرتاري" بأبوسمبل والتي يصف فيها "رمسيس الثاني" زوجته الحبيبة بأنها (ربة الفتنة والجمال)، (وسيدة الدلتا والصعيد)، من نقش على جدران المعبد هذا الإهداء الرقيق (من أجل أحب زوجاتي قمت ببناء هذا المعبد)، (من تشرق من أجلها الشمس). لن يصدق أنه فرعون موسى مهما قالوا!!
تعد "نفرتاري" هي الزوجة الوحيدة من زوجات "رمسيس الثاني" التي بني لها معبدا خاصا إلى جوار معبده الكبير بمدينة أبي سمبل، كما بنى لها واحدة من أجمل المقابر في البر الغربي بالأقصر بعد رحيلها ليؤكد إخلاصه وحبه..
تزوج "رمسيس الثانى" من نفرتاري قبل أن يتولى العرش وكان عمره وقتها 19 عامًا، وكانت "نفرتاري" في الثالثة عشرة من عمرها، واحدة من عامة الشعب وليست من القصر الملكي.. اختارها لجمالها الباهى، فاسمها كان على مسمى، فالنقوش على جدران المعبد توضح ذلك الجمال وتبرزه، فهى صاحبة وجه دائرى جميل، وخدود ممتلئة، وكانت متيمة بالإكسسوارات والزينة في جميع ما ترتديه..
ورغم عشق الملك "رمسيس الثانى" للملكة "نفرتارى" إلا أن حبه لم يمنعه من الزواج مرة ومرات لتأخر الملكة في الإنجاب، وإن كانت أنجبت له فيما بعد ستة من الأبناء، أربعة من الذكور واثنين من الإناث، لكن لم يعتل العرش أحد منهم لأنهم لا ينتمون كليا للدماء الملكية.
كما يقال أنه قام ببناء معبد "نفرتاري" في أبي سمبل حتى تتمكن زوجته من أن تتعبد لإلهتها المحبوبة "حتحور" إله الرقص والسعادة والطرب والحنان عند القدماء المصريين، لأن معبد "حتحور" الرئيسي يقع في مدينة دندرة التي تبتعد 100 كم شمال الأقصر، لذلك كان يصعب على الملكة "نفرتاري" عند المجيء لمنطقة أبي سمبل والنوبة أن تعود سريعًا إلى دندرة لأداء الطقوس الخاصة بمحبوبتها "حتحور"..
لذا قرر رمسيس الثاني بناء معبد( لحتحور) في أبي سمبل حتى لا تبتعد نفرتاري كثيرًا عن محبوبتها( حتحور)..
أي حب هذا.. وأى تقدير يكنه الملك الأعظم لمحبوبته، عبر "رمسيس الثاني" عن حبه الشديد لـ"نفرتاري" على جدران المعبد، وأعطاها اللقب الملكي، وقيل إنها وصفت (بالملكة المؤلهة).
لم يمهل القدر "نفرتاري" لكي تستمتع بأداء طقوس عبادتها داخل معبدها، لأنه بمجرد انتهاء العمل وقدوم "نفرتاري" إلى المعبد مرضت مرضا شديدا، وماتت، ويظل معبدها في مدينة أبي سمبل شاهدًا إلى الأبد على هذا الحب الخالد، ونموذجًا فريدًا للحب بين الزوجين..
ما أجمل الحب.. وما أعظم المودة والدفء.. اقرءوا التاريخ جيدا ولا تتهموا المحبين بالباطل..