رئيس التحرير
عصام كامل

«العالم يحتاج إلى أب».. رحلة مع عيالك تقربكم من بعض (صور)

فيتو

عصر آخر أربعاء من شهر مارس الماضي، استقل إيهاب فارس المدير التنفيذي بإحدى شركات التسويق الإلكتروني رفقة ابنه سليم 13 عاما، باصا كبيرا كان يقل 66 رجلا وأبناءهم، كانت الأجواء تشبه تلك التي عاشها هؤلاء الرجال في فترات الدراسة قديما، رحلات المدرسة الابتدائية والإعدادية، لكن هذه المرة رفيق الرحلة والمجاور لكل أب على الكرسي، كان ابنه أو ابنته، وليس مجرد زميل مدرسة. 

مسار الرحلة محدد سلفا "منتجع بيت الوادي" في منطقة وادي النطرون، حيث ستقام فاعليات كامب "العالم يحتاج إلى أب"، الذي يشارك فيه إيهاب مع 65 أبا آخرين، "من زمان وانا مركز مع ابني في تربيته وتعليمه وحياته كلها، ولقيت مشروع بيعزز روح التعاون مع الابن ومصادقته، عرفت عن موضوع الكامب ده عن طريق صديق لي هو أحد المنظمين، عجبتني الفكرة وسجلت فيها فبراير الماضي".


"العالم يحتاج إلى أب" هو نواة لفكرة نبتت في رأس "باسم عبد الملك" المهندس الاستشاري لإحدى شركات تطوير الفنادق، والمؤسس لكامب "العالم يحتاج إلى أب"، من خلال قراءته لأحد التقارير الصحفية التي تتحدث عن شخصية جنوب أفريقية تدعى "كاسي"، وهو رجل أراد النهوض بدولته منذ نحو 12 عاما، من خلال إعداد قادة حقيقيين بدلا من العصابات التي ذاع صيتها في تلك المناطق، ووجد عن طريق البحث الميداني أن سبب نشأتها، غياب الآباء عن بيوتهم لفترات طويلة، سواء من أجل الاشتراك في المعارك الدائرة على حدود الدول، أو البحث عن لقمة العيش: "من خلال دراسات كاسي التي عكفت على تحليلها لساعات طويلة، عرفت أن غياب الأب عن البيت هو أساس المشكلات الكبرى في العالم حينما يغيب عن وعيه وقيامه بدوره الحقيقي".

وجد صاحب فكرة "العالم يحتاج إلى أب" غياب الأب مشكلة عالمية، الأسر بتكون غير سوية والأب لا يعلم دوره تحديدا ليقوم بدوره بطريقة سليمة"، من هنا أراد باسم الأب لطفلين أن ينقل التجربة إلى مصر، من خلال جلسات نقاشية تدار في منزله، منذ مطلع عام 2013، حتى تبلورت الفكرة وتحولت إلى مادة تثقيفية وتعليمية ملموسة تقدم من خلال منابر مدرسية أو شركات أو مؤسسات تربوية.


سنوات عدة استغرقها باسم لإعداد مشروعه الذي بدا في أول الأمر غير مألوف أو متعارف عليه في المجتمع المصري: "الشائع هنا في مصر أنه بمجرد ما ابني أو بنتي يأتوا للدنيا، أصبح أبًا، الأبوة دي حرفة.. مهنة، يجب أن أتشربها بجدية، أعرف احتياجات أولادي في الفترات العمرية المختلفة، لأنه في كل مرحلة عمرية الاحتياجات النفسية والعاطفية بتختلف من مرحلة لأخرى".

جاء عام 2015، وكان باسم قد اطلع على عشرات الأبحاث والدراسات المعنية بمشروعه، فضلا عن قراءة الكتب الخاصة بالأساليب التربوية المختلفة، ثم واتته فكرة أن يخرج مشروعه إلى النور ولا يقتصر على جماعات الأصدقاء في المنزل: "قمنا بأول كامب بين الأب وابنه من عام 2015، بدأنا نشجع الآباء على إنهم ضروري يحضروا كامب بأولادهم، وفي النص نعطيهم محاضرات عن الأبوة، نحو 4 محاضرات، ثم نحو 18 محاضرة، وأيام بيدرس فيها الآباء كل احتياجات الأطفال النفسية والعقلية والبدنية".


ثمة دراسة علمية استند إليها باسم عند عزمه تأسيس كامب "العالم يحتاج إلى أب"، وهي الدراسة التي تؤكد أن الطفل عند بلوغه العام السابع، خاصة لو كان ذكرا، يحتاج لما يُعرف "بالتوكيد الذكوري"، يرتفع تأثير الأب على سلوكيات ابنه لنحو 70% أو 80%، بينما بينحصر تأثير الأم لـ 20% فقط، " يقع على الأب الجانب الأكبر في هذه المرحلة، الأب يكون مسئولا عن تحديد هوية ابنه يعلمه المبادئ الأخلاقية.. إزاي بيقدر يحقق أحلامه، تنمية مواهبه واكتشافها، وبالطبع الأمان العاطفي. بنتكلم كمان عن دور الزوج، وكيف يظهر الزوج أمام أبنائه، فلا يمكن للرجل أن يكون أبا جيدا دون أن يكون زوجا جيدا".. يتحدث باسم عبد الملك.


وفقا لباسم، نحو 15 فردا يضعون على كاهلهم مهمة إلقاء محاضرات ودورات تدريبية لأكثر من 5000 أب على مستوى الجمهورية، من خلال مؤتمرات دورية تعقد أربع مرات في العام، فضلا عن الكامب الذي تحدد مدته يومين على الأكثر، ويكون في محافظة الإسكندرية أو منطقة وادي النطرون، وفقا للجدول المحدد، "عندنا رؤية إن كل طفل ينمو في مجتمع سوي مع أب ناكر ذات ويعطي بسخاء، الأولاد يحتاجون لوقتنا أكثر من مادياتنا، محتاجين أن نربي أنفسنا قبل أن نربي أولادنا".


كامب "العالم يحتاج إلى أب" والمكون من سلسلة متعددة الحلقات، والمجدولة وفقا لنظام علمي بحت، يستهل رواده ساعاتهم الأولى به منذ السادسة صباحا، فما أن يصل الآباء رفقة أبنائهم إلى الموقع المحدد للمبيت في منتصف الساحة الخاصة بالألعاب والمسابقات، حتى يتم وضع نظام على الآباء جميعا الالتزام به، وضع مكبح القيادة في أيدي الأبناء، "طلعنا الغرفة كان كل واحدة عليها اسم الأب واسم الابن، وطلبوا من سليم أن يكون هو القائد وهيحرك الرحلة، هو اللي كان بيحركني ويقولي يلا ورايا يا بابا، بدأوا يعززوا جزء اتخاذ القرار والقيادة داخل الطفل في أول عشر دقائق من انطلاق الكامب"، هذا ما لفت انتباه إيهاب في أول ساعة من انطلاق الفاعليات، تلا ذلك وتحديدا في السابعة من مساء اليوم التالي دعوة الآباء الـ66 وأبنائهم لتناول وجبة الإفطار، ثم الخروج إلى الساحات المخصصة للعب، في لحظة من الزمن قد تكون جزءًا من الثانية، انصهر الحضور في بعضهم، لم يعد إيهاب يستطيع التمييز بين دوره ودور ابنه، من هو الابن ومن الأب؟!، "كأن العقل بيتوقف من ناحية أي حاجة في الماضي أو في المستقبل، لما خلصت الكامب وجالي إيميل من الشغل كنت ناسي إني بشتغل أصلا، حسيت إني بس ولدت في هذه اللحظة!".


"كثير من الآباء حياتهم تتغير تماما بعد الكامب، فيحدد أولوياته من أول وجديد، بيعرف إن أولاده محتاجينه ومحتاجين يشوفوه ويكون قريب منهم أكبر وقت ممكن"، تلك الجملة التي ألقاها باسم عبد الملك المنسق العام للحملة في معرض حديثه، ثبت صحتها برهانيا، حينما كان إيهاب في اجتماع عمل بالشركة بعد عودته من الكامب بيومين، وهاتفه سليم ابنه ولم يتردد لحظة في الرد عليه أثناء الاجتماع، قبل الكامب مكنتش بعمل حاجة زي دي، مهما سليم اتصل بي أثناء الشغل مستحيل أرد عليه، حسيت إنه أصبح صديقي لأنه في الكامب بعد العشا لعبنا مع أولادنا وجرينا وهزرنا مع الأولاد انصهرنا في بعض.. مكناش عارفين نحدد فين الأب وفين الابن".


أما فادي أنطاكي، الذي حضر الكامب لثالث مرة منذ انطلاقه، فقد بدا أكثر شغفا للمزيد من الجهود التي تبذل خلال أيام الفاعلية، والتي وجدها تقربه إلى طفليه بصورة أكبر مما هي عليه، "فيه محاضرات كثيرة بنتلقاها في طريقة تربية الأولاد، بقدر أعرف إزاي أسعدهم وأجعل العلاقة جيدة، الثلاثة أيام المحددة للكامب، ابني وجد إن كل الوقت الخاص بي كله مخصص له وحده"، كأنه لأول مرة يشارك في هذه الفاعلية، ففي عبارة بسيطة أراد أن يقول لماذا يحرص على ترك عمله مدة ثلاثة أيام ليشارك في كامب العالم يحتاج إلى أب، "أنا أرى أن تعب الالتزام أفضل من ألم الندم".
الجريدة الرسمية