سيستم «أبوستيت»!!
"اللى عاوزه سيستم أبو ستيت يحرَم على الغيط"، هذا ليس قولًا مأثورًا، ولا حكمة مكتوبة على جدران المعابد، ولا مطلع أغنية لمطربى المهرجانات، مثل: "حموبيكا" أو "مجدى شطة"، أو حتى لـ"الأسطورة العارى"، ولكنه واقعٌ أليمٌ، ترجمته تصريحاتٌ رومانسية حالمة لوزيرٍ مصرىٍّ رشيدٍ.
شرُّ البلية ما يُضحك، وقد أضحكنا وزيرُ الزراعة "عز الدين"، دون قصدٍ، في وقتٍ "عزّ" فيه الضحكُ، وصارتْ الضحكة فيه بـ "دولار".
وزير الزراعة المغوار، الذي لم يُغيِّرْ من واقع الفلاحين البائس بـ "دينار"، قرر أن يتجاهل همومهم التاريخية، التي تحكيها الترع الجافة، والمصارف المُعطلة، والأسمدة الغالية، والتقاوى المضروبة، والصحة المُهدرة، وأن يستبدل كلَّ هذا وغيره، بـ"تطبيقات تكنولوجية مُبهرة"، تنقلهم على الهواء مباشرة، من واقعهم الضيق، إلى فضاءٍ إلكترونىٍّ واسعٍ فسيح.
"دعهم يأكلون كعكًا".. قالتها "مارى أنطوانيت" على فقراء شعبها الباريسيين قبل أكثر من 300 عام، والآن الوزير "أبو ستيت" قرر أن يُطبقها واقعًا على شعب الفلاحين.
نهاية الأسبوع الماضى، وخلال تدشين أول دليل لمبيدات الآفات الزراعية على أجهزة المحمول، تحدث رئيس مركز البحوث الزراعية الدكتور محمد سليمان، نيابة عن وزيره "أبو ستيت"، حيث بشَّر عموم الفلاحين بأن مصر مُقبلة على مرحلة الإرشاد الزراعى الإلكترونى، من خلال توظيف تقنية المعلومات المتاحة، اختصارًا للوقت، وتقريبًا للمسافات!!
الرجلُ، لم يكتفِ بهذه البشرى الواهية المُتداعية، بل أتبعها ببُشريات أخريات، تصبُّ جميعُها في تحويل خدمات وزارة الزراعة واستصلاح الأراضى، التي كانت صرحًا من خيالٍ فهوى، وأصبحتْ أثرًا بعد عينٍ، إلى "تطبيقات تكنولوجية"، يقوم الفلاح "الفصيح"، بتحميلها على هاتفه "الذكى"، الذي سوف يحصل عليه من الجمعية الزراعية المُغلقة، بعدما ألغت وزارة التموين "بطاقة تموينه"، وبعدما أوصدت وزارة الصحة في وجهه الوحدة الصحية وامتنعت عن تأمينه صحيًا، فهو لم يبلغ بعدُ منزلة الراقصة العجوز، ولا الأرملة الطروب، فكلاهما، "الفلاح/ الأرملة الطروب"، عند الحكومة، لا يستويان مثلًا.
كلمة الوزير، لم تتطرقْ إلى الآلية التي سوف يتم توفيرها، حتى يتمكن 40 مليون فلاح من الحصول على الخدمات الإلكترونية الزراعية، ولم تذكر أيضًا هل سوف يتم مدُّ كوابلَ بحرية عبر الترع و"الرشاشيح"، وحمايتها من ضربة فأس طائشة؛ حتى تبقى الخدمة متوفرة على مدار الساعة، كالتي يريد زميله وزير الاتصالات، أن يمدّها إلى الدول الأفريقية، حتى تستفيد من تجربته الرائدة في "سيستم طارق شوقى"، في مدارسها وجميع شؤونها الحياتية.
كلمة "أبو ستيت"، لم تخبرنا أيضًا كيف سيُجدِّد الفلاحون، لا سيما الأميين الذي يجهلون القراءة والكتابة، باقات الإنترنت عندما تنفد، وهل سوف يتم توفير أجهزة "راوتر" –مثلًا- يتم تثبيتها على جذوع الأشجار، أو أعلى النخيل، وكيف سوف يتم حمايتها من مناقير الغربان وأبو قردان، ومن تحويلها أعشاش للطيور أو أوكار للفئران، وهل سوف يتم توفير مراكز خدمة في العزب والنجوع والكفور، وكذلك في الصحارى لمن يستصلحون الأرض البور؛ حتى لا يفقدوا التواصل مع المركز الرئيسى!
لا شكَّ في أن المشروع الواعد لـ "أبو ستيت" سوف يتطلبُ ميزانية ضخمة، قد تتطلب اقتراضًا داخليًا أو خارجيًا، وقد تتنازل الوزارة عن بعض مُخصصاتها لمدّ الخدمة الإلكترونية إلى الأرياف والأقاليم.
وتيسيرًا على العملاء.. فقد يتم توفير قروض من البنك الزراعى للفلاحين تحت بند: "شراء هاتف ذكى وباقة إنترنت"، وإن تعثروا يتم سجنهم فورًا!
ولا شكَّ أيضًا في أن الطفرة التي يتطلعُ إليها الوزير "أبو ستيت" تفوق في أهميتها تحقيق الاكتفاء الذاتى من القمح والأرز والسكر، خاصة أننا نحقق هذا الاكتفاء وبانتظام شديد لم ينقطع عامًا واحدًا، في المحصول الإستراتيجى الأهم وهو: "البرسيم".
"أبو ستيت" ليس بدعًا وسط زملائه، فقد سبقه من قبل وزير الاتصالات الذي يريد أن ينقل تجربة "السيستم الواقع" و"النت المقطوع" إلى أفريقيا، وكذلك وزير المالية الذي يرغبُ في نقل تجربة مصر الاقتصادية إلى القارة السمراء، ومثلهما وزيرة الصحة والسكان التي تتطلع إلى نقل تجربتها، التي لا نعملها، إلى أفريقيا.
ويبدو أن الوزراء الثلاثة أسرى النظرة الضيقة عن جيراننا الأفارقة الذين تفوقوا علينا، في هدوءٍ شديدٍ، في مجالات كثيرة ومتنوعة.
لماذا لا يجمعُ رئيس الوزراء الدكتور "مصطفى مدبولى" وزراءه، في إجازاته الأسبوعية، وينصحهم بالتروى وعدم الاندفاع في التصريحات الخادعة وتوريط الحكومة فيما لا يليق، فاللهُ لا يكلفُ حكومة إلا وسعها؟!
وفى شأن الدكتور "عز الدين أبو ستيت"، فإنه من المؤكد سوف يعيدُ ترتيب أولوياته، ولن يقعَ في فخ مثل هذه التصريحات مُجددًا، وسوف ينزل من برجه العاجى في الوزارة، إلى أرض الواقع، ليرى عن قربٍ، حياة الفلاحين وحالهم، وقد يتراجع عن خطوة الهواتف الذكية والتطبيقات التكنولوجية مؤقتًا، ويستبدلها بتوفير أراضٍ زراعية مجانية مجانًا فوق سطح "القمر" و"المريخ"، حتى لا يردد الفلاحون يومًا: "اللى عاوزه سيستم أبو ستيت يحرم على الغيط"!