«مذكرات المجمدين» تكشف فضائح جديدة في مسيرة الإخوان.. اتصالات سرية بين التنظيم الخاص ورجال مبارك.. تأييد «المخلوع» تم دون الرجوع لـ«القواعد».. وتهديد الغاضبين بالطرد من ج
فتحت جماعة الإخوان على نفسها منجم نيران جديد لن تستطيع مواجهته، سيجعلها تدفع مجددا ثمن تطرفها في الانغلاق ورفض الآخر، حتى من داخلها، إذ أصبح كل منتقد لسياساتها من قيادات الصف الثاني والثالث متآمر أو عميل يهدف لشق الصف، وخلال 5 سنوات من عزل مرسي، أصبح لديها تركة أزمات لا حصر لها، والآن تتعرض لمحنة أخطر وأشد وهي «مذكرات المجمدين في الجماعة».
تعود أزمة المجمدين داخل الإخوان، إلى عدم تسوية الصراع بين المعسكرين اللذين تشكلا في السنوات الأخيرة في صفوف الجماعة، حول إعادة تفسير إرث حسن البنا، واعتماد المواجهة المسلحة ضد الدولة المصرية، وفق مفاهيم جهادية، تضفي الشرعية على العنف وتضعها على مرتبة واحدة، مع منهج سفك الدماء الجهادي الذي ابتليت به مصر والمنطقة في السنوات الأخيرة، وأصبح شهوة تداعب خيال أغلب أتباع التيار الديني، الأمر الذي أهدر على المتصارعين داخل الإخوان، العديد من فرص العودة للعمل الاجتماعي والسياسي، وفقدان أي تعاطف معهم من الرأي العام المصري.
محيي عيسى
آخر الذين كتبوا مذكراتهم، من المجمدين داخل التنظيم بسبب مواقفه الرافضة للإخوان، وتثير زوابع كبرى حاليًا، محيي عيسى، القيادي الإخواني المتسلف، الذي التحق بالتنظيم مع جيل أبو العلا ماضى، وقيادات الجماعة الإسلامية بعد أعوام قضاها على رأس هرم القيادة في الجماعة الإسلامية 1973، واستطاع استقطاب شباب الجماعة الإسلامية إلى الإخوان، وكانت وقتها جماعة ضعيفة مهترئة لا تملك جيلا قويا يستطيع تكملة المسير، كما هو حالها حاليا، بسبب مكوث الأجيال الأولى منهم في سجون الناصرية، حتى تحللت تمامًا.
«عيسى» يحكي في مذكراته، جوانب منسية، لم تذكر في الشهادات المعروفة للقيادات المنشقة عن الإخوان، ويوثق فيها أسباب الصراعات الداخلية في الجماعة منذ سبعينيات القرن الماضي، بسبب سيطرة التنظيم الخاص، وهيمنته الكاملة على آليات عقد الصفقات بين الإسلاميين ونظام مبارك، مرورًا بفرض سيطرته على الواقع المصري، بين عام 1987 وحتى عام 1990، واستطاع وقتها حجز بطاقات عضوية في البرلمان، لمأمون الهضيبى وعصام العريان وحسن الحسينى ومحمد طوسون وغيرهم من الذين عرفتهم الحياة السياسية آنذاك، واستمر بعضهم حتى نكبتهم في 2013.
مذكرات المجمدين الجدد في الإخوان، وبينهم عيسى، تكشف كيف استخدم التنظيم الخاص ضدهم أسوأ أشكال القمع، معنويًا وتنظيميا بما يفوق أي نظام فاشي عرفه التاريخ، بداية من انفراد مأمون الهضيبى برئاسة الهيئة البرلمانية للإخوان، وقمع جميع أعضائها، لدرجة أنهم عرفوا بتأييد ترشح مبارك الذي اتخذه مكتب الإرشاد، وأعلنه في الصحف دون التشاور معهم، وتم تهديد المعارضين بالفصل من الجماعة، إذا ما عرفت الصحافة والرأي العام برفضهم لاختيارات الإرشاد، فضلا عن تهميشهم التام داخل المجلس، واستمرت الصراعات حول المجموعات صاحبة الصوت الرافض لإقصاء القواعد عن القرار منذ التسعينيات، حتى استطاعت هذه القيادات جر الجميع إلى مواجهة شرسة مع أجهزة الدولة، وهي ما تعرفها مذكرات عيسى بالتغيرات الهيكلية الداخلية والخلافات الأيديولوجية التي أظهرت إستراتيجيات جديدة لإضفاء الشرعية على العنف كما يحدث الآن.
معسكران
المذكرات تكشف أيضا كيف أصبح التنظيم مختلا بشدة، لدرجة أنهم يفقدون الآن، القدرة على إيجاد أي شخص مؤهل، يستطيع مجرد قيادة نقاش عادي على المستوى المركزي بالمستويات التنظيمية المختلفة، بسبب ظهور معسكرين يتنافسان على حق استخدام اسم الإخوان والتحدث باسمها، والحصول على مغانمها المالية، الأول يضم فلول قيادة ما قبل 2013، ويرأسه ثلاثة أشخاص، القائم بأعمال المرشد العام محمود عزت، الذي لم يعد أحد يعرف مكانه، وحتى مذكرات المجمدين، لا تعرف أين هو، والأمين العام محمود حسين، المقيم في تركيا، وإبراهيم منير نائب المرشد، والمقيم بلندن، وهؤلاء يعطلون أي محاولة لإجراء انتخابات داخلية جديدة ويسيطرون على الأصول الأجنبية للتنظيم.
أخطر ما ذكرته شهادات المجمدين في الإخوان، فشلهم في تفكيك بيروقراطية الإخوان، بسبب سيطرة النظام الخاص على الهيكل التنظيمي للجماعة، رغم الضربات الأمنية الناجحة للتنظيم، لدرجة أنهم يسيطرون بمنتهى القوة على القواعد، وهم لم يبق منهم، إلا 6 أعضاء فقط بالخارج من أصل 21 عضوًا من مكتب الإرشاد القديم، منهم 3 خارج البلاد، ورغم انهيار مجلس شورى الإخوان، المؤلف من 121 مقعدًا، لم يتبق منهم إلا 14 فقط، وهي الثغرات التي استغلها المعسكر الجديد، وكانت السبب الحقيقي خلف خطته لمحاولة إنشاء هيكل تنظيمي جديد منذ بداية عام 2014، وتعزيزه مرة أخرى في عام 2016 بقيادة محمد كمال، زعيم الحركات الإرهابية، الذي قتل في عام 2016.
طه وهدان
وتكشف المذكرات عن أخطر المعاونين لكمال، وهم محمد طه وهدان الذي سجن لاحقًا في عام 2015، وعلي بطيخ المتواجد في تركيا منذ عام 2015، وهؤلاء عكفوا على دراسة اللوائح الداخلية للإخوان، لضرب التنظيم القديم في مقتل، فمكتب الإرشاد والمجلس الاستشاري لا يمكن أن يعملا إلا إذا حضر نصف مسئوليهم على الأقل، وبالتالي كانت هناك حاجة لتفكيك المؤسسات القديمة، وعمل إحلال وتجديد بمؤسسات بديلة، فعقدوا انتخابات من القاعدة إلى القمة داخل مصر، وشكلوا إصدارات جديدة في عام 2016، وأنشئوا أيضًا مكتبًا في تركيا لإدارة شئون الجماعة برئاسة أحمد عبد الرحمن، وتشير المراجعات والمذكرات التي تسجل فيها القيادات المجمدة مواقفها، والتي تم التنكيل بهم وتجميدهم مثل محيي عيسى، إلى أن الوصول إلى تسوية الصراع داخل الإخوان، لن يحدث، بل ويؤكدون أن هناك توسعا في الصراع ليشمل الأفراد الذين التزموا الصمت، وهو ما سيؤدي بالتبعية إلى تفجير الجماعة في وقت قريب، بسبب الانغلاق والتشدد، والمضي في التسلط على الجميع، مع أن التنظيم يعاني من موت سريري، ولم يعد له وجود إلا بين أفراده، والتابعين لهم بغير إحسان.
"نقلا عن العدد الورقي..."