«التابلت» لن يصنع عالمًا ولن يطوّر التعليم
يدهشني الدكتور "طارق شوقي" بحماسه على استكمال تجربة امتحانات "التابلت" وتفاؤله بعد تمكن 85 ألف طالب وطالبة من تأدية امتحان اللغة العربية، وتمكن 310 آلاف طالب وطالبة من تأدية امتحان الأحياء، ووصول عدد الطلاب الذين تمكنوا من امتحان اللغة الفرنسية إلى 270 ألف طالب.
اندهاشي مبعثه أن وزير التعليم يحمل لواء "الحتمية التكنولوجية" أو ما هو معروف باسم Technological Determinism ظنًا من معاليه أن التكنولوجيا هي صانعة تطور المجتمع، وهو افتراض أو ظن قتلته الدراسات الثقافية بحثًا وأثبتت فشله. قد يرد الوزير أو المتحدث باسم الوزارة على الأصوات التي يرونها لا ترى الشمس الساطعة من أمثالي بأن هناك دولا عديدة تطبق التجربة "التابلتية" بنجاح، وأن المستقبل للتعليم عن بعد وللامتحانات الإلكترونية.
متى يمكن أن تغير التكنولوجيا مجتمعًا؟ التكنولوجيا يمكن أن تساهم في إحداث تغييرًا في المجتمع عندما يكون المجتمع نفسه مستعدا للتغيير. وليس المقصود هنا بالمجتمع الناس أو الطلاب فقط ولكن المجتمع بكل مؤسساته. لن أناقش وزارة التعليم في أن "التابلت" لن يزيد من التحصيل العلمي الطالب، ولن أقول لسعادة الوزير أن بعض الطلاب يرون التابلت لأول مرة، ولكني سأتحدث عن أن الفصول غير مجهزة بمصادر للكهرباء لاستيعاب أعداد التابلت..
هذا إذا سلمنا –أساسًا– بأن مصادر الكهرباء تعمل بكل الفصول. تحتاج كل مدرسة لفريق كامل للدعم الفني، أم سيطلب سعادة الوزير من الطالب الذي يتعطل "تابلته" أن يأخذه لأقرب "إنترنت كافيه" لإصلاحه، تماما كما طلب من بعض الطلاب –الذهاب لأقرب إنترنت كافيه لأداء الامتحان- حسبما نقل موقع "مصراوي"، حيث نقل عن الوزير قوله إن الطالب يمكن أن يسعى لتحديد أي موقع مجاور به إنترنت يستطيع أن يؤدي به الامتحان كحل أخير، مثلًا "مدرسة بها إنترنت، أو إنترنت كافيه، أو حتى جار لديه إنترنت".
وزير التعليم قال في تصريح – نقله موقع مصراوي- إن "الهلع الذي عمّ المواطنين على خلفية ما حدث خلال اليومين الماضيين ليس في محله حيث يعد ذلك الامتحان تجريبيا للتعرف على أي خلل في هذه المنظومة غير المسبوقة". مرة أخرى تدهشني ثقة الوزير في "المنظومة غير المسبوقة" التي ستفشل مع أول امتحان رسمي لأن الوزارة والمجتمع بشكل عام لا يملكان البنية التحتية التكنولوجية التي تسمح بالتجربة "التابلتية" لوزارة التعليم. البنية التحتية ليست مرتبطة فقط بسعة منصة الامتحانات ولكن بضعف الإنترنت بشكل عام وبمشاكل تقنية قد تصيب التابلت نفسه.
إذا كان الهدف من امتحان التابلت هو اختبار نجاح نظام جديد يمكن للطالب أن يؤدي فيه الامتحان من أي مكان دون التقيد بالمدرسة، فكان من الممكن أن يتم توزيع الامتحان نفسه مطبوعا"، بحيث يُسمح للطالب بأن يجيب عن هذه الأسئلة في المنزل، فامتحانات "الكتاب المفتوح" أو Open Book Exams يمكن تطبيقها دون التقيد بكون الوسيلة إلكترونية، اللهم إلا إذا كان مسئولونا لا يعرفون ذلك.
لا أرى سببًا لإنفاق أموال طائلة على تجربة كان يمكن تحقيقها دون استخدام لتكنولوجيا تحتاج "لمنظومة" قال عنها الوزير في تصريحات نقلتها المواقع الإخبارية إنها "تعد أكبر مشروع تقني في البلاد بها شبكات داخلية في كل المدارس وشاشات تفاعلية وأكبر شبكة ألياف ضوئية، وغيرها من التقنيات الفنية"، وعندما لم تعمل المنظومة نصح الوزير الطلاب بالتوجه "لمكان به إنترنت إذا كانت "المدرسة" ليس بها "إنترنت".
لا أعرف مدى سعي الوزارة لتطبيق فكرة الامتحانات عن بعد، فالأمر الأخطر في حال كانت الوزارة تسعى لتطبيق فكرة الامتحانات عن بعد هو أنها ستتخلى عن مقوم من أهم مقومات العملية التعليمية. فالامتحان مقياس للمعرفة والمعلومات التي يملكها كل طالب، فكيف ستتأكد وزارة التربية والتعليم من أن من يؤدي الامتحان على التابلت هو الطالب نفسه وليس شخصًا آخر؟ وإذا كانت الوزارة سترد بأن كل طالب يحصل على امتحان مختلف من خلال بنك يمتلئ بآلاف الأسئلة، فهناك مراكز سيتم إنشاؤها للإجابة على أسئلة هذه الامتحانات وسيتم تجميع الطلاب بها ودعوتهم للإجابة عن الامتحانات داخل هذه المراكز.
إصلاح التعليم في مصر كان يتطلب خطوات أهم بكثير من التجربة "التابلتية"، منها تقليل كثافات الفصول، وإصلاح دورات المياه، وتوفير فصول تحتوي على وسائل مساعدة للمدرس، وإنشاء معامل كمبيوتر متصلة بشبكة إنترنت تعمل بكفاءة، وتطوير مهارات المعلم.
من المحزن ألا يعرف وزير التربية والتعليم أن التابلت لن يصنع شاعرًا ولا عالمًا، ولن يزيد من حب الطالب العازف عن القراءة في القراءة. فالطالب الذي لديه موهبة الشعر سيكتب شعره على ورقة أو على تابلت، والطالب المحب للقراءة سيسعى لقراءة الكتب وعدم وجود التابلت لن يقلل من حبه للقراءة. الطالب في المدارس الأمريكية والبريطانية يتقن اللغة الإنجليزية في المراحل الأولى للتعليم الابتدائي بفضل معلمه أو معلمته وليس بفضل "تابلته".
التجربة "التابلتية" لوزارة التربية والتعليم، تذكرني بإصرار البعض على تنظيم مصر لكأس العالم لكرة القدم، وعندما كنت أرد بالقول إن مصر ليس لديها الإمكانيات لتنظيم كأس العالم، كان المتحمسون للفكرة من أصدقائي يطالبوني بأن ألبس التيشريت الذي تم تصميمه وقتها وأن أذهب لاستقبال اللجنة المنظمة التي ستقيّم ملف مصر. غير أن ذلك لم ينفع وقتها، ولا أعتقد أن "إصرار وزارة التربية والتعليم" على التجربة التابلتية و"المنظومة غير المسبوقة" سيحل المشكلات التقنية التي ستصاحب الإمتحانات الرسمية، وأتمنى أن أكون مخطئًا وتثبت وزارة التعليم للعالم أن "الحتمية التكنولوجية" يمكنها أن تغير المجتمع. لكن التاريخ يقول إن العلماء والمفكرين لم تصنعهم التكنولوجيًا.