صحافة زمان
كان المرحوم "محمد الحيوان"، مدير تحرير الجمهورية، في السبعينيات يكره الاشتراكيين كراهية التحريم، ولا يطيق التعامل مع أي زميل ينتمي للفكر الاشتراكي. والغريب أنه عندما كان أحدهم يتعرض للسجن أو النقل إلى صحيفة أخرى، كان لا يخفي اعتراضه..
وما أكثر العقوبات التي قررها الرئيس السادات على الكتاب الذين يخالفونه الرأي، سواء في الاتفاقيات التي وقعها مع إسرائيل، أو سياسة الانفتاح التي أنهكت الاقتصاد الوطني، وما زلنا نعاني من تبعاتها الاقتصادية أو الاجتماعية، وما أكثر ما كان الخلاف بين السادات والعديد من الكتاب ينشب بحسب تحالفه مع جماعة الإخوان المسلمين وإخراجه عن قياداتهم رغم إدانتهم في أحداث العنف وصدور أحكام ضدهم من القضاء، ولم يكن السادات يحتمل تلك الانتقادات لسياساته والاعترافات الموجعة لأسلوبه في الحكم.
وبالتالي كان يتخذ قراراته الفورية بنقل كبار الصحفيين إلى صحف أخرى، ومنع مقالات عديدة من النشر، وقد عانت "الجمهورية" التي كانت أكثر الصحف انتقادا لتلك السياسات من الإجراءات التي اتخذها ضد كتابها، سواء بالنقل، أو الفصل، أو المنع من النشر.
ودفع رئيس مجلس إدارة وتحرير الجمهورية المرحوم "مصطفى بهجت بدوي" واحد من أنبل وأشرف الكتاب المصريين الثمن غاليا، بنقله إلى صحيفة الأهرام، كأحد كتبها وتسبق توصية ألا يسمح له بالنشر، بعد أن حذر السادات في تبعات سياساته في مقال بعنوان: "تعالوا إلى كلمة سواء".
وأعود لـ"محمد الحيوان" الذي لم يرتح لفصل خصمه اللدود "صلاح عيسى"، أو نقل "حسين عبد الرازق" و"فريدة النقاش" إلى الأخبار، مع التوصية بعدم نشر مقالاته. سألته في إحدى المرات ساخرا: هل قررت أن تنتقل إلى المعسكر الآخر؟
أجاب: حاشا لله، إنما كتاباتهم تمنحني فرصة الرد عليهم.. والهجوم على الاشتراكية والاشتراكيين جميعهم، والأهم أن احتواء الصحيفة على آراء متباينة يقود إلى نجاحها وزيادة توزيعها، ويمكنها من منافسة إصدارات أخرى، ننشر الرأي والرأي الآخر.
وكان الكاتب الكبير "أحمد بهاء الدين" رحمه الله لا يكتفي بالنشر للصحفيين الذين يخالفونه الرأي، وإنما يشرك أيضا القراء، ويردد: "ليس من حق الكاتب أن يقدم أحكاما قاطعة من غير حيثيات، وعليه أن يشرك القارئ في التأمل والتحليل"..
أتحسر على صحافة زمان!