رئيس التحرير
عصام كامل

إيمان جنيدي.. حكاية أول مايسترو سيدة في مصر (فيديو وصور)

فيتو

حينما تدب بقدميها أرضية الممر المؤدي إلى صالة الأنشطة بأحد مباني جامعة بني سويف، تضطرب الحركة قليلا، الجميع يبحث عن وجهته وموقعه المحدد سلفا، يهرولون نحو الآلات، كل يمسك بآلته الموسيقية ويربت عليها، ابتسامة صغيرة تعلو وجوههم، يتهامسون فيما بينهم كأنهم يستعدون للبروفة الأخيرة لـ«كوكتيل» اليوم، الذي سيقدمونه بقيادة "المايسترو إيمان جنيدي"، معلمتهم ووالدتهم.


ففي مشهد تراه للمرة الأولى في مصر، وعلى أرضية جامعة "صعيدية مائة بالمائة"، تقود سيدة ذات بشرة وملامح صعيدية خالصة فرقة موسيقية، تضع كافة الآلات الموسيقية بصنوفها المختلفة بين الوترية والصوتية تحت سيطرتها، تقف في المقدمة مولية وجهها نحو مجموعة الطلبة الجالسين في حلقة شبه دائرية معلقة عيونهم وأذهانهم نحوها، فهي في جامعة بني سويف "قائدة منتخب الهواة الموسيقيين الذي يتألف من نحو 25 طالبا وطالبة".


لم يكن شغف إيمان جنيدي، أول مايسترو سيدة في مصر والقائدة للفرقة القومية للموسيقى العربية، بالموسيقى وليد اللحظة الحالية، أو بضع سنين مضت، لكنها فُطرت على حب الموسيقى، حتى كادت تشعر بها ترافق الدم في رحلته داخل الشرايين، كما تحب أن تقول دائما، فحينما كانت في أعوامها الأولى، وبينما كان الأب يحرص على وضع البيانو في إحدى حجرات بيت العائلة ببني سويف، كانت تقفز واقفة على أصابع قدميها الصغيرتين، تمسك بمفاتيحه تريد أن تصدر صوتا موسيقيا أشبه بالذي تستمع إليه كلما جلس والدها، أو شقيقها من بعد أمام البيانو: "تعلقت بالموسيقى، حتى قررت أن ألتحق بكلية التربية الموسيقية بالزمالك، وشجعني على ده إن أختي وأخويا كانوا فيها من قبلي، ولم أجد اعتراضا من الأهل أو العائلة على ذلك".


مرت أعوام الدراسة الأربعة، وحققت إيمان خلالها ما كانت تحلم به وتصبو إليه بل أكثر من ذلك، فبعد التخرج مباشرة، حصلت على عقد عمل في دولة الكويت، لقيادة فرقة موسيقية هناك، وشاركت في تطوير أداء الفرقة وإضافة آلات جديدة عليها، ثم ما لبثت أن عادت مرة أخرى عام 2005، وعملت كموجه عام في وزارة التربية والتعليم.


في عودة سريعة إلى سنوات دراستها الأولى بالكلية، حرصت إيمان على التخصص في دراسة العود فضلا عن البيانو الذي كان إجباريا على جميع الطلبة تعلمه، لكنها وبعد التخرج ووضع مسئولية قيادة فرقة عربية تحت سيطرتها، جعلها تعيد النظر مجددا في الآلات الموسيقية الأخرى، "المايسترو لازم يكون ذهنه حاضر وصافي طول الوقت، ملم بكل الآلات علشان يعرف هيشتغل إزاي ويقود فرقة كاملة فيها القانون والجيتار والكمان والطبلة وغيرها"، هذا بدوره أهلها لأن تقود بعد ذلك الفرقة القومية للموسيقى العربية، والتي تحوي أعضاء أكبر منها سنا، "كنت بقود ناس أكبر مني في السن"، شجعها على ذلك زوجها، كانت كلما وُضعت العراقيل، يضعها جانبا مردد العبارة ذاتها، "إنتي قوية وقدها"، "حينما أخبرته إني قيادتي للفرقة هيخليني أقصر في البيت وهسافر كتير وهتأخر بره، قال لي إنتي قدها".

في منزل الزوجية في محافظة بني سويف، كان للموسيقى الأثر الطاغي عليه، فثمة حجرة صغيرة عند مدخل الشقة، تطلق عليها إيمان لفظة "الصومعة"، تحوي آلات موسيقية تعود لسنوات عدة، والنوتة الموسيقية: "أنا بدخل الحجرة دي وممكن اقعد فيها بالست والسبع ساعات لو عندي بروفات لحفلة أو مسابقة، دي خلوتي ممنوع حد تاني يدخلها".

هذا الجو الذي تملؤه الهمسات الموسيقية بكافة صنوفها، علق روح الابن الأكبر شادي بإحدى الآلات الموسيقية: "ابني شادي حب الجيتار واتعلمه بجانب إنه خريج كلية الحقوق ووكيل نيابة الآن في محافظة الإسكندرية"، كذلك الابنة غادة التي وهبها الله صوتا غنائيا مميزا، إلا أنها لم تكمل المسيرة كما فعلت الأم.


بالرغم من سجل إيمان الحافل بالمناصب القيادية في مجال الموسيقى، والتي تتقلد معظمها سيدة للمرة الأولى، إلا أن هدفها في أن تصبح جامعة بني سويف الخالية تماما من الكليات أو الأقسام المعنية بتعليم وممارسة الموسيقى، رائدة الموسيقى في مصر، تصدح طربا من خلال تدريس الموسيقى كمادة دراسية أساسية في الكليات: "بني سويف مليئة بالمواهب غير المستغلة وأنا بتمنى أساهم في خلق ثقافة تعلم الموسيقى في هذه المحافظة".


يكاد حلمها يقترب من التحقق بصورة كاملة، بعد أن نجحت وفريقها في المشاركة بمؤتمرات الشباب العالمية التي تعقد في مدينة شرم الشيخ، "الطلبة دول معظمهم جه عندي السنة اللي فاتت أو أول الترم الحالي، مش عارفين يمسكوا الآلات الجميع قالي مش هتقدري تنجحي بيهم، لكن أنا تحديت ووصلت بهم لمسابقات وحفلات كان آخرها حفلة مسابقة "إبداع" في وزارة الشباب والرياضة نهاية الشهر الماضي".
الجريدة الرسمية