مذكرات موسى صبري (7)
صحافة المعارضة وحكايات "حلمي مراد" و"حسين عبد الرازق"
يبدو أن "موسى صبري" عاش عمره كله في معارك مع الصحفيين، فقد أنهى حقبة جيله ليدخل معارك مع تلاميذه في بعض الأحيان أو من جيل آخر في أحيان أخرى، ولعل ذلك ما حدث معه في الصحف الحزبية حين تم السماح لها بالعمل، وفي آخر فصول كتابه يتحدث هو عن تلك المعارك.
ويقول "موسى صبري" إن كل الأحزاب المعارضة لجأت إلى أخبار اليوم لكي تطبع صحفهم، ولعل ذلك في رأي ليس له أي دليل قد تكون أسعار أخبار اليوم أفضل، ويكمل أنه وافق أن يكون "صلاح قبضايا" المحرر بالأخبار رئيس لتحرير جريدة الأحرار، وكانت الموافقة ضرورية لكونه رئيس مجلس إدارة مؤسسة أخبار اليوم، وسألني "السادات" عن رأي فيه فقلت إنه صحفي ممتاز.
ويكمل "موسى صبري": «قاد "صلاح قبضايا" حملات عديدة أهمها حصول أقارب أحد الوزراء على مساكن شعبية وكانت وقائع هذا التحقيق صحيحة، وحقق في الأمر الدكتور "مصطفى خليل" بتكليف من "السادات"، وكان خارج الحكم وأبلغ "السادات" بأن النشر صحيح» ويبدو أنه لم تكن هناك معارك مع «الأحرار» أو قبضايا، فقد كانت أزمة "موسى صبري" مع صحيفة الشعب.
وحين يبدأ "موسى صبري" الحديث عن تلك الأزمة يقول «صدرت صحيفة حزب العمل ووافقت على ترشيح "حامد زيدان" المحرر بالاخبار لرئاسة تحريرها، وسألني "السادات" عنه قلت له إنه شاب ملتزم ومن أبناء 23 يوليو، ولكن صحيفة حزب العمل جنحوا إلى معارضة مثيرة وشبهوا يوما حكم "السادات" بأنه حكم "إسماعيل صدقي" رمز الطغيان قبل ثورة يوليو، فقال لي "السادات" هذا هو اختيارك الرائع لرئاسة التحرير، وقلت له إن "حامد زيدان" نظيف ووطني لكنه لا يستطيع العمل في تلك الأجواء..
خاصة بعد أن بدأ الدكتور "حلمي مراد" يكتب في صحيفة الشعب، ويحاول السيطرة عليها، وكنا نطبع أيضا صحيفة الأهالي لسان حال حزب التجمع، وكانوا يهاجمونني بعنف في كل عدد تقريبا، ولم أسمح لنفسي أن أقرأ البروفات وكان هذا في مقدوري»
ويضيف «سبب المشكلة مع حزب العمل وجريدة الشعب هو "حلمي مراد" لقد اختار أن يكون عضوا في حزب الوفد الجديد تحت زعامة "فؤاد سراج الدين" وهذا ما نفرني منه، لأنه من المشاركين في الرأي القائل بأنه لولا الإفساد السياسي الذي قاده "سراج الدين" في حزب الوفد قبل الثورة لما قامت ثورة 23 يوليو.
وقد حاكمته الثورة على هذا الجرائم، كما أن "سراج الدين" كان رمز الإقطاع قبل الثورة، فكيف يتحالف معه الاشتراكي "حلمي مراد"، رأيت في هذا الموقف انتهازية سياسية»
ويكمل "موسى صبري": «لكن "حلمي مراد" ترك حزب الوفد بعد ذلك ولا أعرف السبب وبدأ يكتب في صحيفة الشعب لسان حزب العمل، دون أن ينضم للحزب، وفي مقال له بدأ يلمز ويغمز متهما "مصطفى خليل" رئيس الوزراء في ذمته المالية في صفقة التليفونات، وأثارني هذا الأسلوب لأن "مصطفى خليل" فوق مستوى الشبهات..
ونبهت "مصطفى خليل" إلى سطور "حلمي مراد"، وكان رأيي أن يبلغ النيابة العامة وتحمس "مصطفى خليل" ووصل في تحدي "حلمي مراد" إلى كتابة أكثر من بيان مدعما بالوثائق، وطلب اجتماع الهيئة البرلمانية لحزب الغالبية وصوتوا بالإجماع ثقة به»
ويكمل: «من جانبي كتبت مقالات مدافعا عن "مصطفى خليل" دون طلب منه مهاجما الأسلوب الذي لجأ إليه "حلمي مراد"، ولا شك عندي أن "حلمي مراد" لعب الدور الأول في أن تتجه صحف المعارضة إلى حملات التشهير والإثارة، وكان "حامد زيدان" رئيس تحرير الشعب مغلوبا على أمره عاجزا عن مقاومة نفوذ "حلمي مراد"، وأحسست أن هذه الصحيفة ستسبب لنا الكثير من المشكلات بطبعها في مؤسسة أخبار اليوم ولذلك رفضت أن تستمر»
و«ناقشني كثيرًا من أعضاء حزب العمل ولم أعدل عن القرار وتعاقدوا مع الأهرام وحدث ما توقعته بدأت حملات التشهير بي بقيادة "حلمي مراد" ووصل الأمر إلى التعرض لما أسماه "حلمي" «الوضع الدستوري لحرم رئيس الجمهورية»، وغضب "السادات" وقرر اتخاذ إجراء ضد الصحيفة بوقف طبعها في الأهرام، بحجة عدم وجود ورق، ونشرت الشعب بضع سطور، تؤكد أن الأمر يتعلق بحرية الصحافة، لا بعدم وجود ورق..
واتصل بي "السادات" تليفونيا وقال اقرأ غدًا الأهرام، وقل لي ما رأيك، وحين تصفحت الأهرام وجدت صفحتين يهاجمان حزب العمل وذهلت إن هذا أكبر دعاية لحزب لا يحلم بها صفحتان للهجوم عليه، واتصل بي "السادات" في اليوم التالي وكانت رنة صوته تعبر عن سعادة، وسألني ايه رأيك واجبته بكل الصدق هذا تصرف خاطيء من الأهرام، إن هذه دعاية لا يحلم بها حزب العمل، فقال لي مش مهم حكاية الصفحتين إيه رأيك في المادة المكتوبة، واجبت هذه المادة يمكن اختصارها في عمود واحد وغضب "السادات"..
اتصلت بـ"إبراهيم نافع" رئيس تحرير الأهرام، وقلت له لماذا صفحتان كاملتان للهجوم هذه أكبر دعاية لهم، وأجابني بأن "السادات" هو صاحب الفكرة »
وبعيدًا عن ما يقوله "موسى صبري"، فأنا لا أعرف ما شطط أن يناقش صحفي وضع حرم رئيس الجمهورية دستوريًا، خاصة أن "جيهان السادات" كانت سبّاقة في أن يكون لزوجة الرئيس دور سياسي، وبالتالي فما فعله "حلمي مراد" منطقيًا جدًا وإن كان الأمر يستحق غضب الرئيس، فلماذا يغضب زميل صحفي؟!، ولا أعرف أيضًا لماذا تطوع "موسى صبري" للدفاع عن "مصطفى خليل"، هل فقط لأنه فوق مستوى الشبهات أم أن هناك أغراض أخرى !
المعركة الثانية التي يوردها "موسى صبري" مع صحيفة الأهالي، ويقول هو «رأس تحريرها "حسين عبد الرازق" المحرر بالأخبار كما أنه تربطني بـ"خالد محيي الدين" رئيس حزب التجمع كل روابط المودة، وصدرت الجريدة وكانت تطبع في أخبار اليوم وكنت حريصًا على مواعيد صدورها وتقديم كل التسهيلات لأسرة تحريرها..
وفي أول أعدادها رد "خالد محيي الدين" على مقال لي في الأخبار، حول علاقته بالسادات، وكان ردا مهذبا ولكنني فوجئت بالجريدة تهاجمني بتجريحات شخصية لا تتفق مع كونها صحيفة عقائدية، واستمرت على هذا النهج»
ويضيف "موسى صبري" «استمرت حملات الأهالي التشهيرية بقصص صحفية فيها مبالغات واضحة، ونشرت محاكمات "عصمت السادات" شقيق "السادات" على أنها محاكمة للزعيم الراحل، وكان هناك اتجاه في التجمع ضد الغوغائية التي قادها "حسين عبد الرازق" و"فريدة النقاش" و"صلاح عيسى" و"أمينة النقاش"، وأطلقت عليهم اسم العصابة الأربعة، وذلك الأسلوب أثر على توزيع الأهالي..
أخيرا قرروا تغيير قيادات الجريدة، وعزل "حسين عبد الرازق" و"صلاح عيسى" وعين "لطفي وأكد" و"محمود المراغي" وبدأت الأهالي تنتهج نهجا موضوعيا ولكن كان الاختلاف مستمر بين التيار الماركسي والتيار الناصري في الحزب»
والحقيقة أنني في لقاء مع "فريدة النقاش" أخبرتني كيف أن "موسى صبري" كان أول من نشر قائمة الفنانين والكتاب المنتمين لحزب التجمع في بداية تأسيسه، ورغم أن ذلك ليس امرًا سريًا لكن نشرها بطريقة الجريمة كانت سببًا في التضييق على كثير منهم، حتى اضطر "خالد محيي الدين" إلى أن يطلب من بعض الفنانين مباشرة أن يتركوا الحزب، فهم أهم كفنانين، وذلك جزء مما أخفاه "موسى صبري" بالطبع.