رئيس التحرير
عصام كامل

الحب في الثمانين!


هو صحفي كبير كان رئيس تحرير لمجلة مهمة.. قبل ثمانين عاما بالتمام والكمال ذهب مع أسرته وهو ابن أربع سنوات لزيارة أقارب لهم أنجبوا طفلة صغيرة بلغت الشهر.. تأخروا في زيارتهم لأسباب خاصة.. أثناء الزيارة تحدث الأهل عن الطفلة الصغيرة وجمالها وأنها تشبه فلانة أو أنها أقرب لفلانة.. كان الطفل الصغير يسمع ويسمع ويقترب من الطفلة الصغيرة يداعبها ويمسك يدها، ثم يتراجع للوراء لينظر إليها في دهشة، وفي خجل، وفي خوف من غضب الكبار، وفي براءة منقطعة النظير!


كبرت هي وصارت شابة جميلة.. اصطحب الأهل هذه المرة لخطبتها، ووفق تقاليد صارمة تمت الخطبة عام 1952!

مرت الأيام.. عمل هو في الصحافة واختارت هي الأدب.. روائية تشق طريقها إلى عالم الشهرة بين روائيين كبار من نجيب محفوظ إلى إحسان عبد القدوس، ومن يوسف السباعي إلى عميد القصة القصيرة يوسف إدريس.. وذات يوم كان الشوق غلابا.. واتصال بعد آخر وموعد من وراء الأهل وخروج من البيت بغير استئذان اعتبر بأنه خروج عن التقاليد، وتحولت الفسحة القصيرة إلى مشكلة كبيرة انتهت بفسخ الخطبة بعد أن نجح الشيطان في إشعال الموقف!

سار كل منهما في طريق.. انهمك كلاهما في عمله.. تزوج ولم يوفق وتزوج مرة أخرى وثالثة، وكان القدر يقول كلمته.. أما هي فقد تزوجت أيضا وأنجبت بنات وأبناء، ثم يتوفى الزوج، وتتفرغ الأرملة الأديبة لتربية أبنائها، ثم تربية أبنائهم!

بعد مشوار طويل تولى رئاسة تحرير مجلة الإذاعة والتليفزيون، وصارت هي بين الأدب وتربية الأبناء.. وحققت في الثانية ما عوض الغياب في الأولى.

تقفز الأيام بهما قفزة كبيرة.. تغيرت ملامحهما ولم تتغير أرواحهما.. كلاهما لم تغب الصورة القديمة المحفورة في العقل قبل العين وفي القلب قبل البصر.. وكلاهما لم تغب منه ولا عنه نبرة الصوت التي أحبها كل منهما في الآخر.. وبعد 67 عاما بالتمام والكمال يبحث عنها فيجدها تبحث عنه.. جيل ودع أجيال وبقى القدر ينتظر لحظته التاريخية.. كتبت عليهم خطى فمشوها، وهاهم يستكملون مشوارا توقف قبل سبعة عقود كاملة.

وها هم يتزوجان ـ حسين قدري وعصمت كاظم ـ وهو في منتصف الثمانينيات وهي -وقد حكت عنه لأولادها وأبلغتهم بقرارها وأيدوه وفرحوا لها- تتعقبه وتجري خلفه، وتستقبل الثمانين وإلى لندن الشهر القادم لقضاء شهر العسل!

كثيرون سيفهمون أننا نكتب لنقول إن الحياة حلوة، وإننا يمكن أن نعيشها حتى آخر لحظة، وإن "طول العمر يبلغ الأمل" إلى آخره.. وكل هذا حقيقي وصحيح.. إنما أيضا يلفت نظرنا أن القصص الجميلة لا تلقى الآن رواجا بيننا بينما قصص الخيانة والقتل والاغتصاب والسرقة والسب والقذف و"الردح" والغش والنصب والعنف والقسوة، تتفوق عشرات المرات عن قصص الحب و... والأمل!

يحدث ذلك صدفة؟! بكل يقين نقول لكم لا.. لكننا أمام إعلام لا يجيد صناعة البهجة، ولا نقلها، ولا إشاعتها بين الناس.. إن سمعت برامج قديمة معادة من عينة "ساعة لقلبك" أو "عزيزي المستمع" وغيرها ستعرف الفرق.. وهذا أيضا ليس صدفة ولهذا قصة أخرى!
الجريدة الرسمية