عن «نيوزيلندا» وأمور أخرى
قبل سنوات طويلة شغلني حلم الهجرة إلى نيوزيلندا.. وددت أن أترك زحام مدينتي المطلة على البحر المتوسط لأذهب إلى تلك الجزر الوديعة المطلة على المحيط الهادئ.. رسمت أحلاما سرعان ما تبخرت بين ضرورات الحياة والتزاماتها، لذلك كان حادث نيوزيلندا موجهًا إلى حلمي القديم ومدمرًا لصورته الهادئة.
يذكرني الأمر بفيلم (قص ولزق) حيث ظروف الحياة تدفع جميلة (حنان ترك) للتخطيط للهجرة إلى نيوزيلندا.. يخيم الحزن على أحداث الفيلم الذي يعرض صعوبات الحياة التي تواجه الشباب وتجبر بعضهم على التفكير في الهجرة.
ولكن الحياة أقل بريقًا من الأفلام.. وأحداث الواقع أكثر قسوة وألمًا مما يذاع في قاعات السينما.. فقبل أسبوع، قام إرهابي بجريمة ضد المسلمين في نيوزيلندا.. خمسين ضحية وعشرات المصابين قُتلوا داخل مسجدين.. قرابة المائة قصة يمكن أن تكون أحداثها أكثر قسوة من أفلام التراجيديا عن حياة هؤلاء الذين تركوا أوطانهم للهجرة والاستقرار في أوطان أخرى.. دوافعهم.. أحلامهم.. طموحاتهم.. جميعها تبخرت وانتهت في لحظة الضغط على زناد السلاح.
ورغم أن الحادث الإرهابي وقع بالقرب من المحيط الهادئ إلا أنني رأيت تحليق طائرات الأمريكان فوق نهري دجلة والفرات، وكأن الغزو الأمريكي الذي مرت ذكراه السادسة عشر، هو بداية لعنة الإرهاب!
دفع مئات الآلاف من الضحايا ثمن الحرية الأمريكية المزعومة.. ملايين المهجرين من منازلهم أو المهاجرين من أوطانهم.. سقط مكعب الدومينو العراقي لتسقط دول عربية أخرى في الفوضى تحت دعوى الحريات وحقوق الإنسان.
مع كل قنبلة أسقطتها الطائرات الأمريكية كان الإرهاب العالمي يزداد ومعه أرباح شركات السلاح إلى أن تردد بعض صدى الإرهاب إلى أوروبا.. والآن يقوم إرهابي بقتل المسلمين تحت دعوى الثأر لكل الأوروبيين الذين قتلوا باعتداءات إرهابية نفذها مسلمون في السابق.. مجانين يقتلون أبرياء فيرد مجانين آخرون بقتل المزيد من الأبرياء وهكذا تستمر لعنة الإرهاب والكراهية إلى الأبد، بينما صناع الإرهاب الأصليين يصفون أنفسهم بدعاة الحرية وحقوق الإنسان.