رئيس التحرير
عصام كامل

الصحة.. وزارة «تعطيل الأبحاث».. «الروتين» يعرقل أحدث علاجات السرطان وتليف الكبد والتقزم.. والباحثون في المركز القومي للبحوث يستغيثون لإنقاذ دراساتهم من الموت في «أدراج الحكومة

فيتو

«العقول المهاجرة».. أسباب عديدة ساهمت في ظهور هذا المصطلح، غير إن «الحق المهدر» يعتبر السبب الأكبر فيما يتعلق بهروب العقول الجيدة إلى الخارج، بحثًا عن فرصة كاملة دون أية عوائق أو لوائح أو «روتين قاتل».


مصر.. واحدة من الدولة التي تعاني من ظاهرة «العقول المهاجرة»، وإن كانت السلطات بدأت تنتبه إلى خطورة الظاهرة هذه، إلا أنه لا يزال هناك عدد كبير من الباحثين سقطوا في فخ «أزمات اللوائح والبحث عن الحقوق»، ويعتبر المركز القومي للبحوث واحدًا من الكيانات التي تضم عقولا مصرية جيدة تعاني من أزمات كثيرة تهدد مستقبلها والعلمي.

روتين
«أسعد لحظة في حياة الباحث هي أن يرى بحثه وقد تم تنفيذه أمام عينه».. جملة جاءت على لسان الدكتور محمد هاشم، رئيس المركز القومي للبحوث خلال حديثه معنا، لافتا إلى أن «هناك بعض الأمور الروتينية المتعلقة بالميزانية وخلافه، قد تعيق أحيانا تنفيذ بعض الأبحاث ذات التكلفة العالية، مما يؤخر البحث ويؤجل تطبيقه».

«الميزانية» لا يمكن التعامل معها كونها السبب الوحيد الذي يعيق تنفيذ الأبحاث والاختراعات، بل «روتين الإدارة» داخل المؤسسات الحكومية الوحش الأكبر الذي يقف أمام كل بحث ناجح يسعى صاحبه في تنفيذه وإفادة المجتمع به، ولعل أبرز مثال على ذلك البحث المذهل والمتفرد للدكتور مصطفى السيد وفريقه البحثي بالمركز القومي للبحوث، بشأن علاج السرطان بجزيئات «النانو جولد» أو الذهب.

علاج السرطان بالذهب
فيما يخص مشروع «النانو جولد» أكد رئيس المركز القومي للبحوث، أن المشروع البحثي أثبت نجاحه المذهل على أنواع من الحيوانات مثل الفئران والقطط والكلاب، لكنه متوقف بسبب عدم موافقة وزارة الصحة حتى الآن على تجربة العلاج على الإنسان، رغم أنه حقق نتائج متقدمة على الحيوانات، وأصبح يمثل علاجا بشكل كبير وليس مجرد بحث نظري يتم تجربته في المراحل الأولى له.

وفي نفس السياق قال الدكتور أحمد عبدون، رئيس الفريق البحثي الخاص بـ«النانو جولد»: الدراسات الخاصة بالمشروع تمت على الفئران منذ عام 2008 إلى 2013، فتم عرض العلاج على وزارة الصحة التي أعادته بعد ذلك إلى المركز لتطبيق العلاج على الحيوانات الكبيرة مثل القطط والكلاب للتأكد من فعاليته، وبالفعل تم إجراء الأبحاث على الحيوانات المذكورة سابقًا منذ 2014 حتى 2016، وأثبتت التجارب أن نسب الشفاء من سرطان الثدي والجلد عالية جدا ومبشرة، ولم يكن للعلاج أي آثار جانبية، إلا أنه عندما تم عرض تلك النتائج على هيئة الرقابة الدوائية لعرضها على وزارة الصحة للحصول على موافقة لإجراء التجارب على الإنسان رفضت، وكانت نتيجة تلك العراقيل تقدم الأمريكيين على المصريين على الرغم من رغبة الدكتور مصطفى السيد في أن يكون العلاج مصريا خالصا، حيث وافقت الولايات المتحدة على إجراء تجارب إكلينيكية على الإنسان لعلاج سرطان البروستاتا بنفس طريقة العلاج المصرية.

بسكويت علاج التقزم
«النانو جولد» لا يعتبر المشروع الوحيد الذي تسببت وزارة الصحة في إعاقة تنفيذه، فهناك مشروع قومي آخر بالمركز القومي للبحوث لعلاج التقزم في الأطفال عن طريق التغذية المدرسية، وبالفعل تم إنتاج بسكويت كامل العناصر الغذائية وغني بالفيتامينات والمعادن المفيدة للأطفال، وتم عمل حصر شامل بالمناطق التي تزيد فيها نسبة التقزم لدى الأطفال، وتم تحديد محافظات بعينها، حتى جاء دور وزارة الصحة في الموافقة على توزيع البسكويت على أطفال المدارس، ليسقط المشروع في فخ «التأجيل والتعطيل والعرقلة» لأسباب واهية.

وفي هذا السياق قالت الدكتورة نايرة مهنا، الأستاذ بشعبة الصناعات الغذائية والتغذية بالمركز القومي للبحوث، المشرف على مشروع مكافحة التقزم: البسكويت الذي تم إنتاجه مطابق للمواصفات الغذائية المصرية، لكن تم تعطيل المشروع بسبب روتين وزارة الصحة، ومنذ نحو عام أو أكثر تم التواصل مع الوزارة، فرفضوا إعطاء المركز موافقة على توزيع البسكويت إلا بعد إجراء تجارب عليه داخل معامل وزارة الصحة نفسها، وبالفعل تم إجراء التجارب والتحاليل كاملة داخل معامل الوزارة، وتم إثبات أنها مطابقة للمواصفات الغذائية المصرية، وفي النهاية رفضت الصحة أيضا إعطاء الموافقة بحجة «الخوف أو القلق».

وتابعت: تواصلنا مرة أخرة مع وزيرة الصحة مباشرة، وبالفعل أوصت بتنفيذ البحث من خلال حملة 100 مليون صحة، لكن للأسف مر على هذا الوعد أكثر من شهر، ولم يصل إلينا أي جديد من جانب وزارة الصحة بشأن البحث، أو موافقتها على توزيعه على الأطفال في المدارس.

مشروع العلاج بالطحالب
الدكتور فاروق الباز، الأستاذ بالمركز القومي للبحوث، يجري تجارب موسعة لاستخراج علاج طبي من الطحالب بجانب مشروعه الأساسي، وهو إنتاج الوقود الحيوي من الطحالب، وقد أثبتت التجارب التي أجراها داخل معامل المركز القومي للبحوث فعالية الطحالب في علاج أمراض تليف الكبد، مشيرا إلى أن هذا المرض ليس له علاج حتى الآن، ويسبب الكثير من حالات الوفاة، إلا أن الأمر ظل متوقفا بسبب أيضا تعنت الوزارة في إعطاء تصريح لإجراء التجارب الإكلينيكية على الإنسان.

وكشف «د.فاروق» أنه حاول الحصول على براءة اختراع وتسجيل بحثه ككشف علمي وعلاج يتم إنتاجه وتداوله إلا أنه تبين له وجود الكثير من العوائق في ذلك، مثل شرط أن يكون لدى الباحث أو المخترع سجل ضريبي وبطاقة ضريبية، وهو ما عجز عن فعله نظرا لظروف عمله الحكومي داخل المركز، مشددًا على أن «الروتين الإداري في أجهزة الدولة سبب تأخر العلم وعدم حصول العلماء والباحثين على حقوقهم».

"نقلا عن العدد الورقي...."
الجريدة الرسمية