«سيدة النار».. بوسي تحترف «الحدادة» لرعاية أشقائها الـ 11 (فيديو وصور)
رغم أن مهنة الحدادة هي مهنة الرجال في الأساس، ولم تخلق لصاحبات الأيدي الناعمة، إلا أن "بوسي سعد رمضان" 30 عامًا ابنة محافظة الدقهلية، كسرت تلك القاعدة، لتؤكد أن البنت سند للجميع، معلنة استكمال مسيرة والدها.
طلت على ورشتهم بوجه ملائكي، مرتدية عباية سوداء تشعل النيران وتروض الحديد وتشكله بيد قوية ونظرات قوة وبأس وحياة.
بوسي ينطبق عليها المثل القائل قديمًا، «سيدة بمائة رجل»، وهي أول سيدة تمتهن حرفة "حداد نار" التي تعلمتها على يد أبيها الذي تعلمها من جده، فهي عائلة توارثت المهنة أبًا عن جد منذ عشرات السنين، وبدأت تعلمها بعد أن فشل الأب أن يكون خليفته هو صبي من صلبه، وخذلوه جميعًا حتى جاءت هي مقدمة يد العون لتستمر مسيرة العائلة، وذاع صيتها بمنطقة الحدادين الواقعة بمدينة المنصورة، وهي الفتاة التي اتخذت قرارها بالاعتماد على النفس ومساعدة الأب وأصبحت "صنايعي حدادة" منذ سنوات حصلت خلالها على قوة وثقة كبيرة في نفسها، أهلتها لأن تحفر اسمها من "نار وحديد"، وسط كبار الصنايعية والحرفيين.
مأساة الحياة
أكدت بوسى في تصريحات خاصة لـ«فيتو» "الست تقدر تعمل كل حاجة"، وتقف كألف رجل تحمى وتدافع عن نفسها وسط مهنتها والسوق، وتربى أولادها وترعاهم وتتحمل المسئولية"، مشيرة إلى أنها لم تكن فقط تتحمل عناء المهنة الشاقة بل والإنفاق على الكيان الأسرى لعائلتها لأبيها الذي تزوج من ثلاث سيدات وأنجب منهن جميعًا 11 بنتا وثلاثة أولاد من الزوجة الأولى، بينهم الأخ الأكبر "أحمد"، 50 عامًا وافته المنية ولم ير ابنته "نورا" 14 عامًا، والتي ولدت بعد وفاته بشهر، ليزداد الحمل على كتفها، بعد أن حملها والدها أمانة التكفل بابنة أخيها وشقيقتها الصغرى "جهاد" 21 عاما، بجانب تحملها للإيجارات ونفقات المعيشة لوالدتها وزوجات أبيها وشقيقها "جمال" الذي يعانى من مرض "بالمخ والأعصاب وبحاجة مستمرة للأدوية، بجانب أسرتها المكونة من زوجها و4 أطفال بمراحل التعليم المختلفة وهم "محمد"، طالب بالصف الأول الإعدادى، و"يوسف" 5 سنوات، و"آدم" 3 سنوات، و"أحمد" عامين.
الحديد بيلين
أوضحت "بوسى" أنها لا تهاب النيران، وتحاربها بأدوات بسيطة مثل المرزبة والجاكوش والمروحة والسندال، وتحول قطع الحديد إلى عجينة لينة يسهل تشكيلها كما تشاء، وقد تكون السبيونة "الشباك"، التي تستخدم في شرفة المنزل، و"أجنة ومسامير وعتل"، وكل ما يطلب منها من الحديد تقوم بتصنيعه وتجتهد في تصنيعه من خلال خبرة 30 عاما تشربت خلالها فن المهنة قائلة: "أي حاجة بعملها مفيش حاجة صعبة في الحدادة"، مشيرة إلى أنها في اليوم الواحد تنتهى من صناعة 150 سيبيونة، ولو طلب منها أكثر لا تكل جهدا.
ثقة الزبائن
وقالت "بوسى" لم أشعر يوما بأنى ست، بل يغلب على الطابع الرجولى نظرا لطبيعة عملي، وهو ما كان سبب شهرتى في مدينة المنصورة، والحمد لله "ليا زبائني يأتون إلى ويطلبونى بالاسم، والكل يعاملني باحترام، "أصل الزبون ملوش غير إن شغله يتسلم في معاده"، وذلك ما أعطى الناس وزبائنى ثقة كافية في عملى، فكلمتي مع زبائنى "كلمة رجل"، فمنذ نعومة أظافري، وعمري 7 سنوات، وأنا أمتهن "الحدادة"، وتزوجت وتركت العمل فترة بسيطة، وعدت مرة أخرى لأكون سندًا وعونًا لوالدى، ومن بعده لزوجي في ظل أعباء الحياة التي نعيشها ومتطلباتها.
التعليم
وتابعت سيدة النار أنها كانت تتمنى الالتحاق بالمدرسة ومنها للجامعة للحصول على مؤهل، حتى تستطيع معاونة أولادها على استذكار دروسهم، ولكن ظروف والدها لم تسمح بذلك، داعية الله أن يعوضها خيرًا في أبنائها، ويستكملون تعليمهم العالي لترى فيهم ما لم تستطع تحقيقه في نفسها، رافضة أن تراهم مثلها يعيشون ليلهم ونهارهم بين المطرقة والسندان.
التخلي عن الأنوثة
وأشارت بوسى إلى أن أصعب ما واجهها في تلك المهنة هي التخلى عن أنوثتها والوقوف أمام النيران وحمل المرزبة، مشيرة إلى الشقاء والإجهاد والتعب الذي تواجهه يوميا بين حرارة النيران وحمل المطرقة، مشيرة إلى أن زوجها عمرو محمد رمضان، هو ابن عمها، وحاليا هو الداعم الأول لها في استكمال مسيرة والدها والعمل في الحدادة، فمتى تحتاج إلى مساعدته تجده بجوارها، يده بيديها، دون أن يتخلى عنها يومًا.
ومن جانبه أكد عمرو محمد رمضان، زوج بوسى، الذي لم يتخل عنها بشهادتها، أن عملها بالنسبة له مصدر فخر، موضحًا أن زوجته سيدة قوية وتتحمل الكثير ولا تكل في مسئوليتها المنزلية والعملية، وكونها أما لأربع أطفال تسعى دائما لإسعادهم جميعا.