العالم يواجه الإرهاب بعقول شتى !
لم يعد مجديا أن نكرر الإشادات لقرارات -تصدر عن منظمات دولية- لا تساوي ثمن الحبر الذي كُتبت به، لأنها مجرد كلمات جوفاء لا مصداقية لها، تصدرها هذه المنظمات التي تمارس الانحياز والكيل بأكثر من مكيال تجاه قضايا العالم خصوصا التي تتعلق بالعرب والمسلمين!
البيان الذي أصدره مجلس الأمن حول الجريمة الإرهابية في مذبحة المسجدين بنيوزيلندا والتي اعتبر فيها المذبحة بمثابة هجوم إرهابي.. لا يعدو مجرد كلام فض مجالس حتى وإن قال وشدد على ضرورة مساءلة مرتكبي هذه الأعمال الإرهابية البغيضة ومنظميها ومموليها ورعاتها وتقديمهم إلى العدالة!
ورغم أن البيان شدد على تأكيد أعضاء مجلس الأمن من جديد “أن الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره يشكل أحد أخطر التهديدات للسلم والأمن الدوليين، وأن أي أعمال إرهابية هي أعمال إجرامية وغير مبررة، بغض النظر عن دوافعها وأينما كانت وأيًّا كان من ارتكبها” إلا أن القول شيء والفعل شيء آخر، والأدلة على ذلك كثيرة ومشهودة ونري فيها التباين الواضح!
مجزرة نيوزيلندا هي تطور نوعي وخطير في قضية الإرهاب الذي يجتاح العالم لأسباب متعددة ودوافع مختلفة.. المستور منها أكثر من المكشوف، وربما يكون الخطر القادم هو تنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا التي يحاول الغرب عموما إلصاق الإرهاب بها حتى وإن جاء الإرهاب من مصدر آخر كما زعم البرلماني النيوزيلندي المتطرف، عندما برر ما فعله الإرهابي الذي نفذ المجزرة على الهواء بأن ذلك رد فعل لإرهاب جماعات الإسلام السياسي!
العالم يواجه تحديا لم يواجهه من قبل في ظاهرة الإرهاب، ولن يستطيع ببيانات منظماته الدولية المتناقضة أن يقضي عليه أو يحاصره والأسباب معروفة، لا تحتاج إشارات كثيرة، ولعل آخرها هو رفض الرئيس ترامب إدانة مُنَفِّذ مجزرة المسجدين ووصفِه بالإرهابيّ في الوقت الذي أدان مندوب أمريكا المجزرة في بيان مجلس الأمن، وليس هذا فقط.. فمعظم بيانات الإدانة من مختلف دول العالم جاءت بناءً على رؤي مختلفة للمجزرة !
المجزرة سبقتها مجازر كثيرة بعضها كان الضحايا فيها أكثر من هذا العدد وبعضها أقل.. لم يلتفت إليها العالم كثيرا ولم يتوقف أمامها إلا نادرا، وللأسف تحدث مجازر يوميا في منطقتنا العربية لا يتحرك لها أحد اللهم إلا بيانات إدانة فاترة وينتهي الأمر، وفي ضوء تراخي المجتمع الدولي ستتكرر هذه المجازر وربما ستكون أبشع من ذلك بعد هذا التطور النوعي في القتل!
أما التطور الأخطر الذي تشير إليه مجزرة المسجدين في نيوزيلندا هو أنّها يُمكن أن تكون قمّة جبل الثلج، حيث تتضخّم منظومة جديدة إرهابية في ظِل التّركيز الغربيّ على ظاهرة “الإرهاب الإسلاميّ” وإلصاق هذه التّهمة بالمُسلمين، وتصوير المُجتمع الغربي على أنّه الضحيّة، وهذه المنظومة سواء كانت جماعات أو أفراد هي تطور لظاهرة الإسلاموفوبيا أخذت طابع الإرهاب المسلح، وبدأت تغير أيديولوجيتها من البيانات والكتابات التحريضيّة والرسوم الكاريكاتيرية وتدنيس المصاحف إلى الهجَمات الدمويّة، وربما يتطور التكتيك من الأعمال الفرديّة أو المحدودة، إلى الأعمال المُنظّمة والمؤسسية.
الغرب ارتكب جريمةً كُبرى عندما تساهل تُجاه ظاهرة “الإسلاموفوبيا” ولم يتخذ الإجراءات القانونيّة المطلوبة لمُواجهتها، مثلما واجه بقوة ظاهرة “العداء للساميّة”، ولا يُمكِن نسيان تصريحات ترامب التي أدلى بها أثناء زيارته للندن وحذّر فيها الحُكومة البريطانيّة من أن الهجرة تُغيّر النّسيج الاجتماعي في الدول الأوروبيّة، ويجِب التّعامل بسرعة معها، وفي تقديري يعتبر هذا تصريحا بالعنف والقتل تجاه العرب والمسلمين.
وكما صمت الغرب على هذه الظاهرة صمتت الحُكومات العربية والإسلاميّة في مُعظمها تُجاه اتّساع نِطاق ظاهرة “الإسلاموفوبيا”، ولم تُقدِم على أيّ تحرّك حقيقيّ للضغط على الغرب لمُحاربتها.
العالم يواجه الإرهاب بعقول شتي.. لذلك تضيع جهوده هباء، ولن يسلم العالم من تنامي هذه الظاهرة - التي لم تعد ترتبط بالدين فقط لكنها امتدت إلى تنامي الكراهية والعنصرية والإقصاء بسبب الدين واللون والعرق وكأن العالم أصابه مس من الشيطان – إلا إذا أدرك أنه حتى الآن لم يحدد مفهوما أو تعريفا واضحا للإرهاب يستطيع به مواجهة كل هذا القتل وهذا الرعب والترويع !
غياب تحديد مفهوم واسع وشامل للإرهاب يجعل المجتمع الدولي يتباين في مواقفه ودعمه لجماعات وكيانات ومنظمات وأفراد لا يراها البعض إرهابية وتشكل خطرا على كل المجتمع الدولي بينما يراها البعض الآخر إرهابية !
المجتمع الدولي لابد أن يتفق على رؤية واحدة للإرهاب كما نادت بها مصر كثيرا من عقود ولم يستجب إليها أحد حتى بات الإرهاب يدق كل عاصمة في العالم !
العالم في حاجة لإعادة النظر في منظومة حقوق الإنسان التي لا تفرق بين القاتل والقتيل، وفي إعادة ترتيب أولويات هذه الحقوق، وإلا فالقادم أسوأ، ومجزرة المسجدين جرس إنذار وناقوس خطر !