المرأة في تاريخ مصر
إن المرأة المصرية جزء حيوي وفعال في المجتمع، ولها دور كبير من خلال الاهتمام بالتربية الجيدة للأبناء، بالإضافة إلى عملها ومشاركتها الاجتماعية والتنموية، وتلعب دورا رائدا في كافة المجتمعات المتقدمة، حيث إن لها دورا فعالا في نشر ثقافة التنوير وبناء مجتمع قادر على مواجهة كافة أشكال التطرف والإرهاب.
في التاريخ الفرعوني:
للمرأة المصرية مكانة رفيعة المستوى باعتبارها الشريك الوحيد للرجل في حياته الدينية والدنيوية طبقًا لنظرية الخلق ونشأة الكون، الموجودة في المبادئ الدينية الفرعونية، حيث المساواة القانونية الكاملة وارتباط الرجل بالمرأة لأول مرة بالرباط المقدس من خلال عقود الزواج الأبدية.
تعدت المرأة هذه المكانة حتى وصلت لدرجة التقديس، فظهرت المعبودات من النساء إلى جانب الآلهة الذكور، بل إن آلهة الحكمة كانت في صورة امرأة، والآلهة إيزيس كانت رمزًا للوفاء والإخلاص.
كذلك استطاعت المرأة المصرية في التاريخ الفرعوني الدخول في العديد من ميادين العمل المختلفة، ووصل التقدير العملي لها لدرجة رفعها إلى عرش البلاد، حيث تولت المُلك في عهود قديمة، ومنهن "حتب" أم الملك خوفو، و"خنت" ابنة الفرعون منقرع، و"أباح حتب" ملكة طيبة، و" حتشبسوت" ابنة الفرعون آمون، و"تي" زوجة إخناتون.
كما عملت المرأة بالقضاء مثل"نبت" وهي حماة الملك بيبي الأول من الأسرة السادسة، وتكرر المنصب خلال عهد الأسرة السادسة والعشرين، وأيضًا العمل بمجال الطب مثل" بثت" والتي حملت لقب كبيرة الطبيبات خلال عهد الأسرة الرابعة، ووصلت الكاتبات منهن لمناصب "مديرة -رئيسة قسم المخازن مراقب المخازن الملكية -سيدة الأعمال- كاهنة "كانت المرأة المصرية تحيا حياة في بلد يبدو أن المساواة بين الجنسين فيه أمر طبيعي"..
وكذلك وضعت الحضارة الفرعونية أول التشريعات والقوانين المنظمة لدور المرأة وأول تلك التشريعات، وأهمها تشريعات الزواج أو الرباط المقدس من حيث الحقوق والواجبات والقائمة على الاحترام المتبادل بين الزوج والزوجة باعتبارها هي "ربة بيت" والمتحكمة الأولى فيه، بالإضافة لحقها الكامل والمتساوي مع الرجل، كما كان المصري القديم دائم الحرص على أن تدفن زوجته معه في مقبرة باعتبارها شريكته في الحياة الدنيا وبعد البعث أيضا.
أما حق التعليم فقد كان من حق المرأة المصرية ابتداء من سن الرابعة وكانت تتلقى العلم من خلال مدارس ذات نظام صارم، تركز على مبادئ الحساب والرياضيات والهندسة والعلوم بالإضافة لتعليم أصول اللغة الهيروغليفية واللغة الهيراطيقية الدارجة للاستعمال اليومي، وفي النهاية تمنح الفتاة مثلها في ذلك مثل الصبي لقب "كتابة جائزة على المحبرة" مع السماح لهن بإمكانية التخصص العلمي في أي من فروع المعرفة، كان المصريون القدماء يؤمنون بأن مياه النيل تزداد عندما الآلهة ايزيس تتذكر وفاة زوجها أوزوريس وتجلس عند شط النهر وتبكي، فدموعها تنزل إلى النهر وتزداد المياه فيأتي فيضان النيل.
ويمتلئ التاريخ برموز نسائية تمتعت بالقوة والسيطرة، وقامت على أكتافهن حضارات، وتعتبر الحضارة الفرعونية خير دليل على المكانة التي كانت تحظى بها المرأة في مصر القديمة، ولعلها تمتعت بحقوق أكثر من التي تتمتع بها المرأة في عصرنا الحالي.
وأسطورة "ماعت" لا يزال تأثيرها باقيا حتى عصرنا الحالي، فهي السبب وراء الكلمة الشهيرة المتعارف عليها حاليا وهي "على رأسها ريشة"، الأمر الذي يؤكد ارتباط وجود المرأة بالتميز والرفعة، حيث تم تصوير "ماعت" أو"آلهة العدالة الأسطورية" على جدران المعابد الفرعونية وعلى رأسها ريشة، مما يؤكد أن الحضارة المصرية القديمة كرمت المرأة وأعلت شأنها وأعطتها كل حقوقها.
وعلي أية حال فمناظر المقابر تشير لدور المرأة في أعمال التجارة والحصاد ودرس القمح، وكلها أعمال شاقة قامت بها المرأة مثل الرجل تماما، كذلك عملت المرأة بجانب الرجل في أعمال المطبخ مثل طحن القمح وصنع الطعام والإشراف على المآدب التي كان يحضرها الرجال والنساء.
لذا نرى أن المرأة حصلت على العديد من الحقوق، فكانت تشارك في الحياة العامة، وتحضر مجالس الحكم، بل وتتولى الحكم، وتمتعت بحقوق اجتماعية واقتصادية وقانونية وسياسية مساوية للرجل، وكان بإمكانها أن تدير ممتلكاتها الخاصة وتدير الممتلكات العامة، وقد شغلت المرأة المصرية العديد من المهن والحرف، مثل منصب قاض ووزير، ودخلت مجال الطب والجراحة وشغلت مهنة سيدة أعمال.
ومن أشهر وأعظم ملكات العصر الفرعوني الملكة حتشبسوت التي تولت الحكم، كانت الملكة "حتشبسوت" حكمت مصر عشرين عاما، واسمها يعني "أميز النساء بفضل آمون" أو"درة الأميرات، وتأتي كأعظم شاهد على دور المرأة المميز وقدرتها على الإدارة والحكم، أما عن دور المرأة في العصر الحديث ارتبطت النهضة النسائية في مسيرتها الطويلة التي امتدت قرابة القرن ونصف القرن، بقضايا مجتمعية طرحتها ضرورات التقدم..
فعندما بدأ محمد على باشا مؤسس مصر الحديثة، في تأسيس الدولة العصرية، ارتبط ذلك بضرورة تحديث المجتمع لخدمة هذه الدولة، وضرورة تعليم المرأة، فنشأت مدرسة المولدات سنة "1248هـ= 1832م" لتخريج القابلات، أو ما يعرف الآن بإخصائيات أمراض النساء.
وفي سنة (1289هـ=1872م) أصدر "رفاعة الطهطاوي" كتابا مهما بعنوان "المرشد الأمين للبنات والبنين" طرح فيه بقوة قضية تعليم الفتاة، وكان لهذه الدعوات وغيرها أثرها في المجتمع؛ فساندت زوجة الخديو إسماعيل إنشاء أول مدرسة حكومية لتعليم البنات في مصر سنة (1290هـ= 1873م) وهى المدرسة "السيوفية" التي ضمت بعد 6 أشهر من افتتاحها 286 تلميذة.
استثمرت المرأة في النهضة الصحفية في تلك الفترة حيث تأسيس صحافة نسائية تتبنى القضايا النسوية وتدافع عن حقوق المرأة ومكانتها ضد جمود التقاليد، فأصدرت "هند نوفل" أول مجلة مصرية هي "الفتاة" في "20 من نوفمبر 1892م" بالإسكندرية، كما أصدرت "جميلة حافظ" مجلة نسائية مهمة هي "الريحانة".
ساندت المرأة قضية التعليم للجميع في سبيل النهوض بالمجتمع، فتبرعت الأميرة فاطمة بنت الخديو إسماعيل بأرض كانت تملكها لإقامة مبنى للجامعة الأهلية (القاهرة الآن) ووهبت مجوهراتها الثمينة للإنفاق على تكاليف البناء، وأوقفت أراض زراعية شاسعة للإنفاق على مشروع الجامعة. وفي عام (1347هـ= 1928م) التحقت المرأة بالجامعة المصرية.
استمرت مسيرة تعليم المرأة حتى وصل عدد المدارس الحكومية للبنات عام 1945م) نحو 232 مدرسة.
وإذا نظرنا إلى تاريخ مصر نجد أنه هناك ارتباط بين تاريخ الحركة النسائية بالحركة الوطنية المصرية، وحركة التنوير فلا فرق بين جهاد ووطنية محمد عبده والأفغاني وبين قاسم أمين وهدى شعراوي، فقد خرجت المرأة إلى الثورة منذ عهد 1919 كتفها بكتف الرجل دفاعًا عن شرف الوطن، وبدأت تسطر تاريخها بقلم من ذهب في تاريخ مصر الحبيبة.
ونجد أمثلة كثيرة فى تاريخها المشرف مثل "درية شفيق"، وهى من رواد حركة تحرير المرأة في النصف الأول من القرن العشرين، ويذكر لها الفضل في حصول المرأة على حق المرأة في الانتخاب والترشح في دستور عام 1956 كما ناضلت ضد الوجود البريطاني في مصر، ولها الدور في تأسيس حزب سياسي "حزب اتحاد بنت النيل"، وهو كان أول حزب نسائي في تاريخ مصر يشارك الحركة الوطنية..
ونجد أيضًا لمن يغفلون الآن الحراك السياسي والاجتماعى للمرأة في التاريخ سيدة شاركت في تحرير مصر ضد الاحتلال البريطانى أيضًا وهى "إستر فهمي"، التي انخرطت في الحركة الوطنية وتعرفت على هدى شعرواي، فكانت من مؤسسات لجنة سيدات الوفد المركزية، وقامت بتبادل خطابات جريئة مع اللورد اللنبى المستشار السامى البريطانى، وتضمنت خطاباتها مطالب المصريين والمصريات بعودة سعد زغلول من المنفى واستقلال مصر والإفراج عن المعتقلين.
ونجد "إنجي أفلاطون" وهى رائدة في النضال السياسي من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، بإصدارها لكتاب "نحن النساء المصريات" 1949، وأسست لجنة للمقاومة الشعبية، وألقى القبض عليها لنشاطها الثورى، ومن الشخصيات المناضلة أيضًا "سيزا نبراوي" ونضالها مع هدى شعراوي في ثورة 1919، وملك حفنى ناصف التي أسست الاتحاد النسائى وجمعية التمريض على غرار "الصليب الأحمر".
ومنيرة ثابت وهى أول محامية في المحاكم المختلطة، وكثير من الأسماء النسائية التي شاركت بصورة كبيرة في تحرير الوطن، من التخلف والجهل والإرهاب، وأخيرًا المشاركة الكبيرة في 25 يناير و30 يونيو لتحرير مصر من الفساد.
نزلت لتحشد لتمرد لتخلص مصر من الإرهاب جابت الشوارع والميادين لتحارب خفافيبش الظلام ونزلت على الصناديق لتصنع وتقر دستور مصر بل وقفت تقود أسرتها أمام صناديق الانتخابات في الرئاسة لتخلص مصر من براثن الإرهاب.
ومن ثم يجب أن تقود المراة المجتمع إلى التنوير، وذلك يبدأ من التربية الأسرية والنشء على المبادئ والقيم والتربية الروحية بل على المرأة كأم، أن تقيم حوارا بين أفراد أسرتها وعلى البنت المتعلمة أن تنشر التنوير، والثقافة داخل الأسرة، لأن الأسرة هي نواة المجتمع، وأن تشارك في مبادرات تنشر الثقافة والتعليم والتنوير من خلال المجتمع.
إن المرأة المصرية جزء حيوي وفعال في المجتمع، ولها دور كبير في التحديات التي تواجهه البلاد من خلال الاهتمام بالتربية الجيدة للأبناء، بالإضافة إلى عملها ومشاركتها الاجتماعية والتنموية.
فمشاركة المرأة أهمية كبرى في جميع القطاعات السياسية والاقتصادية، فالمرأة تلعب دورا رائدا في كافة المجتمعات المتقدمة حيث إن لها دورا فعالا في نشر ثقافة التنوير وبناء مجتمع قادر على مواجهة كافة أشكال التطرف والإرهاب، تحياتي وتقديري للمرأة المصرية المربية والمفكرة والعالمة.