هل أتاك حديث كفاح محافظ الجيزة؟
إذا ساقتك أقدارك إلى المرور على الطريق الدائرى بالجيزة، فسوف ترى عجبًا، بناياتٍ وبيوتًا حديثة الإنشاء على جانبى الطريق تم هدمها وتدميرها دون مُسوغ قانونى أو عُرف أخلاقى. يدُ التدمير الغاشمة لا تعمل بانتظام، بل بانتقاء، حيثُ الأولوية لمساكن الفقراء والمعدومين!!
مشاهدُ مؤلمة ومُزعجة سوف تصدمُ فؤادك قبلَ عينيك، خاصة أن الهدم لا طائل من ورائه، ولن يستفيد منه سوى المقاولين وعمال البناء، ويشرد بسطاء معدومى الحيلة أنفقوا سنينَ من عمرهم لشراء مسكن جديد ظلوا يحلمون به طويلًا.
وإذا أنهيتَ جولتك على الطريق الدائرى، وقررتَ أن تُولِّى وجهك شطرَ إحدى قرى المحافظة "بشكل عشوائى"، فسوف تشعر فور وصولك إلى هدفك، بأنَّ مؤشر الزمن عاد بك إلى الخلف ثلاثة أو أربعة عقود على الأقل، حيثُ لا مياه صالحة للشرب، وبدائية تضرب المكان، فضلًا عن عملية التجريف المنتظمة للأرض الرزاعية التي تجرى تحت علم وبصر "موظفى المحافظ"!!
وإذا فكرتَ أن تتوجه إلى مكتب المحافظ تشكوه أمرًا من الأمور، أو تشكوه هو شخصيًا إلى نفسه، فإنك لن تستطيع الوصول غالبًا إلى مُبتغاك، حيث تعمُّ الفوضى محيط ديوانَ المحافظة والشوارع المُتاخمة له.
وإذا عزمتَ حينئذ على أن تغير وجهتك إلى منطقة الأهرامات، باعتبارها امتدادًا طبيعيًا للشارع الذي يحتضن ديوان المحافظة، فسوف ترى ما لا عينٌ رأت من فوضى سيارات الأجرة والتوك توك وبلطجية قائديها، وقد لا تصلُ.
وإذا قررتَ تغيير بوصلتك وتمكنتَ من مغادرة نفق الجيزة بسلام وأمان، مُتجهًا إلى جامعة القاهرة، فمن المؤكد أنك سوف تموتُ كمدًا أو صعقًا، عندما تجد بانرات متباينة الحجم تحاصرُ أسوار الجامعة تحملُ عبارة بائسة ممهورة بتوقيع المحافظ!! العبارة البائسة تقول: "كفاحُنا من أجلكم، فكونوا على قدر المسئولية"!
لو حافظتَ على قواك العقلية والصحية والذهنية، هذه المرة، ولم يحدث لك مكروهٌ، فأنصحك بألا تُكمل طريقك إلى "الدقى" أو "المهندسين"، حتى لا ترى بانرات أكبر حجمًا، تحمل العبارة البائسة أيضًا بتوقيع المحافظ.
لقد وقعتْ الواقعة، ليسَ لها من دون الله كاشفة. ما عهدنا هذا الأمرَ في الوزراء والمحافظين وكبار المسؤولين السابقين. أما أن محافظًا حديثَ العهد بمنصبه، لم يصنع سوى التخريب والخراب منذ جاء، يعتبر نفسه مكافحًا، ويصمم بانرات مكلفة تخلد "كفاحه" المزعوم، فإن هذه والله لإحدى الكبر.
لا أعلم – حقيقة- من الذي دفع ثمن هذه البانرات: هل تم إهدار أموال المحافظة عليها، أم أنَّ جهة غير حكومية تبرعت بها للمحافظ "المكافح"، نظير تسهيلات وتيسيرات، لا تعلمونها، الله يعلمها؟!
وباعتبارى من مواطنى هذه المحافظة المنكوبة، فمن حقى أن أسأل: ما الذي صنعه هذا المحافظ حتى يعتبر نفسه "مُكافحًا"؟ وإذا كان هذا المحافظ كفؤًا في عمله، والواقع لم يثبت ذلك حتى الآن، فهل من حقه أن يحتفى بنفسه على هذا النحو الساذج والذي لا يليق بضابط تم جلبه من الاستيداع؟
وإذا كان المحافظ يرى في توجيهاته بهدم البيوت والمنازل "كفاحًا"، فما رأيه فيمن يبنى ويُعمر ويصنع تنمية، ويخلق واقعًا جديدًا لمن يقعون في دائرة مسؤوليته؟
وإذا كان التقاعسُ عن تحقيق أي إنجاز على أرض الواقع " كفاحًا"، فما رأيه فيمن يحرسون الحدود، ومن يحاربون الإرهاب، ومن يفككون القنابل الموقوتة، ومن يصنعون، ومن ينتجون، ومن يبدعون، ومن يفكرون، ومن ينظفون الشوارع والميادين كل صباح، أوليسوا "مكافحين" بحقٍّ؟
إنَّ ما أقدم ويقدمُ عليه محافظ الجيزة، تحت سمع وبصر الأجهزة الرقابية ونواب البرلمان وكل ذى عينين، سلوكٌ شائنٌ وشائهٌ ومعيبُ، ولا يجبُ أن يمر مرور الكرام، دون محاسبة، حتى لا نستيقظ يومًا فنجد الشوارع والميادين والحارات وأعمدة الإنارة، في عموم مصر، من الإسكندرية إلى أسوان، وقد غطتها "بانرات" ولافتاتٌ مشابهة، هذا وزيرٌ يشكر نفسه على "كفاحه"، ومحافظ يُثنى على "كفاحه"، ومدير مديرية يُثمن "كفاحه".
أتمنى أن تتدخل الجهات المختصة لوقف عبث محافظ الجيزة واستفزازه للمواطنين، وإزالة بانرات الكذب والخداع والوهم فورًا، ومراجعة أعماله خلال الفترة الماضية، ومعرفة مدى مطابقتها لصحيح القانون، واتخاذ القرار المناسب، سواء باستمراره إذا كان صائبًا، أو إعادته إلى الاستيداع مُجددًا، حتى يكتب مذكراته في "الكفاح"، ويصدر كتابًا بعنوان: "كفاحى 2"، تمييزًا عن عنوان كتاب "هتلر"، ولله الأمرُ من قبلُ ومن بعدُ..