سيدنا «جوجل»
مع التطور المتلاحق في عالم التكنولوجيا وتحديدًا مع محرك البحث العالمي «جوجل»، أصبح التساؤل المطروح عمليًا، مفاده: «هل تحول محرك البحث الأشهر عالميا إلى كل شيء؟».. الإجابة عن هذا التساؤل تتطلب الأخذ في الحسبان بعدة ملاحظات أهمها: إن شبكة الإنترنت باتت واسعة الانتشار، ورغم فوائد ذلك على المستوى العملي، إلا أن الشبكة بفوائدها المتنامية، صنعت حالة من الاعتمادية لدى مستخدميها، بطريقة يصعب احتواؤها.
هذه «الاعتمادية» التي يعيشها مستخدمو الإنترنت يوميًا، جعلتهم لأسباب نفسية، يتعاملون مع المعلومات المهمة لحياتهم ومهنهم بمنطق «الاستسهال»، فتحول الإنترنت لديهم إلى بديل للثقافة العامة والخبرة العملية والحياتية على السواء، أو بعبارة أخرى: «أخذت الشبكة العنكبوتية دور المفتي والطبيب والمعلم ومدير العمل»..
فمثلًا صارت الفتاوى المتعلقة بالأمور الدينية في حكم المتاح بشكل لحظي لمستخدم الإنترنت؛ لذلك يستسهل المتصفحون لمختلف المواقع تلقى الحكم الديني من أحد المواقع الإلكترونية دون اهتمام بالذهاب إلى عالم دين معتمد في المسجد أو في مؤسسة دينية رسمية، وعلى الرغم من مخاطر ذلك بما ينطوي عليه من نشر أفكار ضالة لجماعات التطرف والإرهاب، تغيب الجهات المعنية عن تفعيل دورها المتعلق بالتوعية من مخاطر ما يمكن تسميته بـ«الوعظ والإفتاء الإلكتروني».
وعلى المستوى التثقيفي، وأقصد هنا الرغبة النفسية في تلبية الطلب اليومي للحاجة المتزايدة إلى المعلومات العامة، يكتفى متصفحو المواقع الإلكترونية بمجرد كتابة كلمة أو جملة تتضمن المعلومة التي يريدونها على محرك البحث العالمي، للحصول عليها بشكل «لحظي»، وبطريقة يعتريها الشعور بالسيطرة والرغبة والتملك، دون اهتمام بالبحث عن كتاب علمي في أي مجال من المجالات..
وبنفس الطريقة السهلة للحصول على المعلومة تذهب المعلومة – إن كانت صحيحة- بسهولة مماثلة، لأن المتصفح ببساطة لم يبذل مجهودا للحصول عليها سوى «ضغطة» على لوحة مفاتيح أو «لمسة» لشاشة حاسوب أو هاتف لوحي، وما زالت تلك الطريقة في التثقيف تحمل مخاطر كبيرة تتعلق بمدى مصداقية المواقع الإلكترونية القائمة بنشر المعلومات..
والأخطر من ذلك هو تحول محركات البحث إلى مرجع ومصدر حتى لدى ما يسمون «خبراء» الذين يحلون ضيوفًا على البرامج الفضائية، حيث يكرر كثيرون منهم عبارة «يقدر المشاهد يدخل الآن على جوجل ويتأكد له كلامي»، لذلك ليس مستغربا أن يحتل محرك البحث الأشهر عالميا مكانة وصلت لدى «مستسهلي الثقافة» إلى قداسة يمكن بها تسميته «سيدنا جوجل».