رئيس التحرير
عصام كامل

كيف صنع عباس العقاد أسطورة الزعيم سعد زغلول.. جريدة «البلاغ» بداية التعاون.. مؤسس الوفد يصف الكاتب الكبير بـ«جبار المنطق».. والسجن 9 أشهر لصاحب العبقريات بسبب الدستور

عباس العقاد
عباس العقاد

كان من البديهي أن تكون فئة المثقفين في مصاف المدافعين عن ثورة 19 التي تحتفل مصر بمرور 100 عام على اندلاعها، وفي مقدمتهم كان محمود عباس العقاد وعبد الرحمن الرافعي وعدد آخر من كبار أرباب الكلمة في مصر وقتها.


«صحوة شعب انتفض خلف قائده في هبّة رجل واحد بحثا عن استقلال بلاده» هكذا وصف المثقفون وكبار الأدباء ثورة مارس 1919، وكان على رأسهم، الناقد والروائي والمفكر الكبير الذي أثرى المكتبة العربية بعبقرياته وكتاباته النقدية، «عباس العقاد» والذي وبلفتة قدرية بحتة، يصادف هذا الشهر ذكرى ميلاده، وأيضا ذكرى معركة طويلة خاضها جنبا إلى جنب مع الراحل سعد زغلول منذ انطلاق الثورة، وربما قبل ذلك بقليل.

اللقاء الأول
عام 1908 شهد اللقاء الأول بين زغلول والعقاد، حين بدأ عباس العقاد رحلته ككاتب وصحفي، من خلال نشر موضوعه الأول في الجريدة، ولشدة إعجابه وتأثره بشخصية سعد زغلول حيث وصفه بالجريء الذكي، أجرى معه حوارا صحفيا، ظهر بين طياته تأييدا شاملا لسياسات سعد زغلول وميوله الفكرية والسياسية، وبالفعل منذ نشر هذا الحوار، أصبح عباس العقاد هو منصة سعد زغلول الأدبية والفكرية في الصحافة المصرية.

بحنكة السياسي المخضرم وبعد نظره ولمسه لتأثير شديد يشكله العقاد وكتاباته على العقل الجمعي المصري، خلال عام 1919 قرب زغلول العقاد منه بصورة أكبر، أطلق قلمه ومن خلال منصة صحيفة «البلاغ» التي أصبحت الجريدة الأولى للثورة، والعقاد أيضا كاتبها الأول، تنتقد السياسات المعادية للثورة وأفكار حزب الوفد.

ففي كتاب «العقاد في الميزان»، يذكر الكاتب كيف أطلق سعد زغلول على عباس العقاد لقب «جبار المنطق»، وبحلول عام 1926 أصبح العقاد نائبا برلمانيا عن حزب الوفد، يدافع عن مبادئه وأفكاره بل ومؤسسه، ما جعله ينتقد ويهجم بشكل مباشر وصريح على نية الملك فؤاد تعطيل دستور 1923، فقرر فؤاد من جانبه تجريد العقاد من حصانته وحبسه، فسُجن في سبيل سعد زغلول وحزب الوفد مدة تسعة أشهر قضاها في سجن القلعة، بعد أن وقف تحت قبة البرلمان قائلا «حضرات السادة النواب، أرى أن مجلس النواب لا بد أن يكون له موقف حازم وواضح من هذا العبث السياسي، لأن الأزمة ليست أزمة مجلس الوزراء فحسب، بل هي أزمة مجلس النواب نفسه، بل أزمة الدستور المصري، وليعلم الجميع أن هذا المجلس مستعد لأن يسحق أكبر رأس في البلاد في سبيل صيانة الدستور وحمايته».

سعد زغلول سيرة وتحية
كتاب «سعد زغلول سيرة وتحية»، كان أكثر كتب العقاد دفاعا عن زغلول وحزبه وسياساته داخل الدولة المصرية، حيث خصص الجانب الأكبر منه فقط لتأكيد مصرية سعد زغلول منذ الجد الأكبر للعائلة، فحسب ما أورده العقاد في كتابه، أن قوى المعتدي البريطانية أرادت النيل من شخص زعيم الثورة المصرية، من خلال التشكيك في مصريته، فالبعض نسبه إلى المغول لأنه كان نحيل البنية عريض المنكبين أسمر اللون مع اصفرار بسيط في البشرة، وهذه جميعا سمات الفرد المغولي.

والبعض الآخر قال إنه تركي الأصل، ليقول العقاد الذي تفرغ تماما لإثبات نسب سعد زغلول المصري، إن الأسماء التي تشمل اسم سعد لا تحتوي على أي اسم تركي، فضلا عن أن ملامحه بعيدة تماما عن الملامح التركية، فهو يمتلك رأسا مستطيلة وأنفا منفرجا، فيقول في كتابه: «تندمج أسماء أجداد سعد زغلول إلى العنصر الفلاح، فسعد الله وفرج الله وشلبي، جميعها أسماء مصرية عربية صرفة، بما لا يدع مجالا للشك في ذلك».

وفي أكثر من منصة أدبية وصف قائد ثورة 19 قائلا: «إن تأثير سعد في نفوس المصريين هي حادثة من حوادث القضاء والقدر، تلك الحوادث التي تحرك الأعماق وتهزها بقوة».

وقال عنه أيضا في أحد مقالاته: «مواقف الخطابة ومواقف الزعامة لم تكن عند هذا الزعيم إلا تيارا جارفا ينبعث من قرارة وجدانه، فيحتوي الحاضرين ويردهم إلى عنصرهم الأصيل، فيشعر المنصت إليه وكأنه وهذا الزعيم من بيئة واحدة وموطن واحدة، يقدر وهم لا يقدرون ويرشدوهم وهم له تابعون» في رأي العقاد أيضا سعد زغلول قد يتكرر في زمان أو مكان ما.

"نقلا عن العدد الورقي..."
الجريدة الرسمية