رئيس التحرير
عصام كامل

ليلة الثأر لعبد المنعم رياض!


كان الاستدعاء عاجلا لم يستطع معه الفريق أول محمد فوزي وزير الحربية عقب حرب 67 إلا التوجه لبيت القائد الأعلى رئيس الجمهورية جمال عبد الناصر، وفي مكتبه استقبله الرئيس، وقال باقتضاب شديد: "عايز ثأر رياض يا فوزي قبل الأربعين!". 


أدى الفريق أول محمد فوزي التحية بعد التعهد بتنفيذ التعليمات وانصرف.. وفي مكتبه كانت الاستدعاءات تتوالى.. أول من وصل كان اللواء أحمد إسماعيل رئيس الأركان الجديد، ثم تلاه عدد من تم استدعاؤهم على رأسهم رئيس المخابرات الحربية اللواء محمد صادق، وانتهى الاجتماع الأكثر من عاجل إلى ضرورة عملية كبيرة.. موجعة.. ومركبة تقوم بها عدة أفرع معا.. المخابرات الحربية، والاستطلاع، مع المدفعية، والعملية على الأرض من نصيب المجموعة 39 قتال، أو أبطال الصاعقة المصرية، أو من اشتهروا باسم مؤسسهم "مجموعة إبراهيم الرفاعي"!

المجموعة 39 قتال تجتمع وتقرر هي أيضا أن تكون عمليتها موجعة جدا.. ونوعية جدا.. تليق بقيمة ومكانة الشهيد عبد المنعم رياض. ومعهم الوقت المناسب للإعداد والتجهيز.. وبدأت بشائر العملية تتوالى!

المعلومات جاءت بتفاصيل موقع العدو الإسرائيلي الذي أطلقت منه القذائف ثم بتحصيناته وأنواعها، ثم بالمدفع العملاق بداخله واسمه الذي يطلقونه عليه وهو "أبو جاموس"! ثم كانت المفاجأة.

قيادة كبيرة في طريقها للموقع.. وبدأت الاستعدادات ولم يكن أحد يتخيل أنه سيتم الثأر هكذا بسرعة!

مجموعة الرفاعي تستعد، وتم اختيار الأبطال ممن سيتسللون ويقومون بالمهمة الكبيرة، وبينما الرفاعي يجتمع بأبطاله يراجع التكليفات والمهام والتسليح، اذ بتليفون يبلغه بإلغاء العملية واستدعائه على عجل لمكتب الفريق صادق!

وقت طويل قضاه البطل إبراهيم الرفاعي حزينا حتى وصل إلى مكتب اللواء أحمد إسماعيل، الذي قابله بصمت لم يفهم منه الرفاعي شيئا، ولم يفهم إلا أنه يصطحبه إلى اجتماع في مكان آخر، عرف أنه مع القائد العام وزير الحربية محمد فوزي.

بصرامته المعروفة (اقتربنا منه قبل سنوات وكان في سنواته الأخيرة وقد تحولت الصرامة إلى طيبة غير متوقعة) وقال بحزم: الخطة كلها تغيرت.. وبدأ الاندهاش يتلاشى عند الرفاعي ليبلغه الفريق أول محمد فوزي أن معلومات جديدة تقول أن وفدا كبيرا سيزور موقع العدو الإسرائيلي، وهذه المرة بثلاثة قيادات كبيرة ربما جميعهم برتب لواء.

أدرك الرفاعي أن إلغاء العملية السابقة لإنجاز عملية أكبر.. وبالطبع أعلن ترحيبه وقدرته ورجاله على إنجاز أي مهمة!

الرفاعي يستدعي رجاله على عجل وقيادات المجموعات.. كان منهم النقيب وقتها "محيي نوح"، وكان النقيب "الجلاد"، والأبطال "سمير نوح" و"محسن طه" و"أحمد رجائي عطية"، وطبيب "على نصر"، و"وئام سالم" و"إسلام توفيق"، وملازم بحري و"وسام حافظ"، وعلى الضفة الغربية العميد مخابرات "مصطفى كمال".

حان وقت العملية.. الرجال يتسللون إلى مواقعها ووصلوا إليها كلها بنجاح.. المدفعية جاهزة لتغطية الانسحاب من الموقع عقب انتهاء العملية.. التسليح على أشده.. الأنفاس محبوسة.. القلوب لدى الحناجر.. وفجأة يبدأ جحيم القصف المدفعي المصري على الموقع مما دفع الرفاعي نفسه ليطلب وقف القصف ليتمكن هو ورجاله من تدمير الموقع ومن فيه.. إذ إن هدف القصف تحقق وأصبح الرجال في أماكنهم تماما.. كان قائد القصف المدفعي المشير فيما بعد "محمد عبد الحليم أبو غزالة"!

من فتحات التهوية أسقطت المجموعات قنابل دخان وقنابل صوتية مما دعا كل من في الموقع إلى فتح الأبواب وفتحات التهوية والخروج سريعا، عندئذ حانت اللحظة الحاسمة وكان الجحيم ينتظرهم من الأسلحة الأتوماتيكية للنقيب "سمير نوح" والجندي "هنيدي"، بينما قام "محمد شاكر" و"الجيزاوي" بتأمين سطح الموقع، وتعامل الآخرون مع باقي الأهداف، فقتلوا 44 صهيونيا، ودمروا مراكز الذخيرة والاتصال وكافة الأجهزة والمعدات داخل الموقع، وسيارة جيب مجهزة كانت خارجة، ودبابتان وصلتا على أصوات القصف!

عاد الأبطال سالمين عدا إصابات لكل من البطل "محيي نوح" والمقاتل "حسن البولاقى" و"السيد محمد أحمد" والبطل "محمود على الجيزى"، وفي اليوم التالي زارهم الزعيم عبد الناصر بمستشفى المعادي.. ويروي لنا البطل "محيي نوح" تفاصيل الزيارة ولها مقال مستقل إلا أنها انتهت بسؤال عبد الناصر له: كيف كان حال الإسرائيليين أمس؟ فرد "نوح" على الفور مبتهجا: ما سيادتك كنت تسمع صراخهم أمس من أجهزة اللاسلكي التي فتحناها لسيادتكم"!
الجريدة الرسمية