«هنا جراجوس».. أيادي «متعاصة طين» تحيي صناعة الخزف في قنا (فيديو وصور)
أيادي "متعاصة طين" لكن عقولها منشغلة بالابتكار، وفي «مشروع تنمية قرية جراجوس لإحياء صناعة الخزف» وجدوا ضالتهم ليخرجوا ما لديهم من مواهب في رسومات الخزف ونحت بالطين لإحياء مهنة كادت أن تندثر على مر السنين، خاصة وأن القرية الكائنة بمركز قوص التابعة لمحافظة قنا يوجد أقدم مصنع للخزف وتم بناؤه منذ خمسينيات القرن الماضي وتوقف وأعيد تشغيله أكثر من مرة، وكلما ترك تاريخه كست علامات الزمن الجميل جدرانه، رافعا شعار "صنع في مصر".. «هنا جراجوس».
فور وصولك أمام بوابة المصنع تشتاق لذكريات جدتك في عمل العيش الصعيدي والأكلات التي كانت تطهى في "الطاجن" منذ قديم الأزل، فروح الماضي ورائحته ما زالت تسيطر وتفرض نفسها على الحاضر وتطوراته، وستجد أمامك مباشرة لافتة كتب عليها «مشروع تنمية قرية جراجوس لإحياء صناعة الخزف»، وعند المرور منها ستجد خلية من العجائز والشباب تعمل دون توقف تعجن الطين، وترسم على الأطباق، وغيرن تقفن على أفران في درجة حرارة عالية، وجميعهن تعملن بحماس لتصنيع تحف فنية لحرفة أوشكت على الاندثار.
أقدم عامل
نحات يتضح من يديه خبرة السنين، وعلى أريكة خاصة به يجلس ليبتكر في تشكيل أعماله دون ملل، وخلفه لوح تحف فنية صنع يديه، وجميع من في المصنع ينادونه بـ "عم فواز".. " فكرة المشروع الذي تشرف عليها "غرفة الحرف اليدوية" تجلب الكثير من الخير لـ«الصنعة»، وأنقذتها من الموت المحقق بعد أن أوشكت على الاندثار بسبب الظروف التي تعرضت لها بعد توقف السياحة منذ حادث معبد الكرنك نهاية التسعينيات، وثورة يناير 2011".. هكذا بدأ كلامه لـ"فيتو"، مؤكدا أنه عندما أنشأ ذلك المصنع كان عبارة عن خلية نحل، وتعلم فيه الكثير من الشباب، لكنهم هجروا الحرفة بسبب الظروف الاقتصادية.. متابعا: «كل الشباب عاوز يعيش ويكسب بسرعة».
هدف المشروع
من جانبه أوضح أحمد يوسف، مدير مشروع تطوير صناعة الخزف بجراجوس أن المشروع عبارة عن تطور لصناعة الخزف في هذا المصنع العريق الذي يعود لخمسينيات القرن الماضي، والهدف من المشروع إحياء التراث، لافتًا إلى أن مدة المشروع نحو 15 شهرًا، وذلك بالتعاون مع غرفة صناعة الحرف اليدوية، ومؤسسة بنك مصر.
وأضاف أن المشروع يدرب نحو 25 شابا وفتاة على الحرفة، لافتًا إلى أنه يوجد جزء منه للتدريب على الدولاب والسادف والزخرفة والصب أو الحرق وبالنهاية الإنتاج، وتبدأ بعدها مرحلة التسويق، ويتم تدريبهم على ذلك وكيفية تسعير المنتج وحساب تكاليفه.
وأوضح أن أنماط الصناعة من إنتاج المصنع نفسه تغيرت من خلال المشروع كنوع من أنواع التطوير للصناعة، مؤكدًا أن كافة المتدربين يشاركون بمعارض داخلية وخارجية، وبنهاية المشروع سيتم عمل ورشتين للمتميزين بتلك الحرفة التي نسعى لإحياءها وسينضم لهم جميع المشاركين في المشروع.
متخصصون
وفي نفس السياق أشار الدكتور طارق صبحي، مساعد الاستشاري العام بالمشروع إلى أنهم يسعون إلى تنمية وتطوير الأيدي العاملة داخل المصنع للحرفة العريقة ذات الطابع المميز لأبناء قرية جراجوس من خلال مجموعة من المتخصصين لتخريج شباب واعي بتلك الحرفة، موضحا أنهم تعجبوا من إقبال الشباب والفتيات على الدخول للحرفة وتنميتها.
واستطرد: "الجميع هنا لديه استعداد فطري لتعلم ما هو جديد، وتعلموا كل المهارات الأساسية واليدوية الكبرى في وقت قصير جدًا، كل هذا لم يستغرق أكثر من 3 أشهر تعلموا فيها، والبعض منهم أتقن هذا جدًا، وحاليًا وصل المشروع إلى منتصف المرحلة وأنتجوا أشياء جميلة"، متمنيًا أن يخرج جميع المتدربين بعد ذلك لإنشاء ورش أو مصانع لصناعة الخزف.
المتدربين
وعن سر الصنعة قال محمد فتحي، أحد المتدربين على حرفة الدولاب: "في البداية نخلط الطين والخشن معًا بعضهما البعض بطريقة محددة، ويتم وضع قطعة الطين على الدولاب، وتشكيل القطعة الطينية بحسب المطلوب، ويتم إزالة الزوائد من حول الإناء الخزفي، وبعد ذلك نقوم بقطعه من خلال خيط سميك مخصص لهذا الأمر".
وتلتقط أطراف الحديث فرحة صبري محمد "متدربة"، التي أشارت إلى أنها علمت بالمشروع من خلال إحدى صديقاتها، وتم اختبارها من قبل لجنة، وبعدها التحقت بالمصنع وتعلمت جميع مراحل الحرفة، لكنها استقرت على النحت، وهو بالنسبة لها أفضل وتجيده كثيرًا.
ومن سر صنعة "الدولاب" لـ"السادف" كشف وائل فوزي، أحد المتدربين، قصة بداية السادف منذ لحظة وصول الطين وصولا بالشكل الأخير.
وقال:" السادف عبارة عن بودرة ويتم عجنها بالقدم، ثم بالعجانة حتى تصبح مثل الزبدة، وبعدها تضرب لتفريغ الهواء منها، ويتم وضع فرمة الجبس على السادف بعد الانتهاء من تجهيزها، وهناك عدة أشكال منها الطبق المقلوب وآخر معدول ويوجد به عدة مقاسات، ويتم فرد العجينة على الطبق وبعدها يبدأ تشغيل السادف بشكل دائري، ويتم إزالة الزوائد من على جانبي الطبق أثناء اللف، وبعدها يتم وضع الطبق في مكان جاف بعيدا عن الشم حتى لا يتم التشقق".
كما أشارت سوزان محمد، من المتدربات بمشروع مصنع جراجوس، إلى أن المهنة بالنسبة لها حب وهواية، واحترفتها في المصنع، خاصة أشكال الخضر والفاكهة مضيفة: "أنا بحب الحكاية، عشان كده اتعلمتها وعاوزه احترفها، وأتمنى أن يأتي اليوم الذي أمتلك فيه مصنعا أو ورشة خاصة بي".