رئيس التحرير
عصام كامل

الشرطة في خدمة الشعب وليس الوطن !


بينما كنت أمر من أمام قسم شرطة الشرابية التابع لمديرية أمن القاهرة، لفت نظري شعار للشرطة كُتب على حائط مواجه للقسم، وهو "الشرطة والشعب في خدمة الوطن"، فأصبت بحالة من الضيق، فأنا أعلم أن شعار الشرطة الحالي هو "الشرطة في خدمة الشعب"، ذلك الشعار الذي بدأ مع بداية وجود الشرطة المدنية، وعبَّر أتم تعبير عن أهدافها ومراميها..


فهي –أي الشرطة- مع الهدف الأول لها المتمثل في تطبيق القانون تقوم بأهداف أخرى منها مساعدة أفراد الشعب مساعدة حقيقية في تيسير سبل الحياة، فتجدها تنطلق لتساعد مريضا غير قادر على الذهاب للمستشفى، كما أن من أهدافها إنقاذ حياة أي إنسان يتعرض للخطر، وقد لخص فيلم "حياة أو موت" عام 1954 للمخرج كمال الشيخ، ومن بطولة يوسف وهبي وعماد حمدي حقيقة عمل الشرطة، والجانب الإنساني لها..

فقد سخَّر حكمدارُ القاهرة كل قواته لإنقاذ حياة إنسان كان سيتناول دواء فيه سم قاتل، وبعد أن تم إنقاذ حياته وعندما تقدمت زوجة المريض بالشكر للحكمدار أجابها بجملة لخصت حقيقة إنسانية وعمل الشرطة، مع التأكيد على شعارها وهي جملة: "واجبنا يا هانم السهر على خدمة الجمهور". بما يعني أن الشرطة في خدمة الشعب أو الجمهور، والسهر على رعايته وحمايته.

فكان هذا دور الشرطة الذي تؤديه عن طيب خاطر، وبحب حقيقي ورعاية تامة لمقتضيات عملها، وكان شعارها "الشرطة في خدمة الشعب" عاكسا ذلك الدور، ولم يكن أبدا حاملا أية إهانة، بالعكس كان يحمل إحساسا بالكرامة والمسئولية، فالشرف للشرطة أن تكون في خدمة الشعب، وهي بالطبع جزء من هذا الشعب بالتالي تكون في خدمة نفسها وشعبها، كما أن كل مسئول في هذا البلد بداية من رئيس الجمهورية لأصغر موظف هو في خدمة المواطنين الذين يسددون راتبه، وإن لم يكن في خدمتهم فلا يستحق أن يتواجد في منصبه..

فنحن نجد الزعيم السيسي يفخر بأنه في خدمة المصريين ويتباهى بذلك، ويتمنى أن يؤدي دوره كما ينبغي في سبيل راحتهم، ويعلم أن الله سيحاسبه على ذلك فيجتهد في هذه الخدمة بصورة منقطعة النظير ليس هذا المقال أوان إظهار مواطنها.

وظل الحال على ذلك حتى جاء الوزير حبيب العادلي، فقرر استبدال "الشرطة والشعب في خدمة الوطن" بالشعار الأصلي "الشرطة في خدمة الشعب"، وهذا الاستبدال أو هذا الشعار انعكس جيدا على حالة الاستعلاء والاستكبار التي كانت قد أصابت معظم رجال الشرطة وقتها، وجعلتهم يشعرون أنهم أرقى من هذا الشعب، وأنهم طبقة السادة أو الباشاوات الجدد، والشعب طبقة العبيد، فبالتالي كيف يكون السادة الباشاوات في خدمة العبيد؟! فكان الشعار الجديد الذي هو "الشرطة والشعب في خدمة الوطن"، وهو طبعا شعار مضلل وغير منطقي..

فالشرطة بذلك الشعار ستكون في خدمة المباني والنيل والسماء والأرض مثلا، ولا علاقة لها بالمواطنين، ولن تخدمهم، وهذا أمر غير منطقي أو طبيعي، لكنه عكس تلك الحالة من الاستعلاء التي ترسخت في أذهان الكثير من المواطنين، وعندما حدثت حوادث 25 يناير لم تجد الجماعة الإرهابية صعوبة في التحريض على الشرطة، فكان حرق الأقسام والإساءة الشديدة التي وصلت للقتل لكل منتم لجهاز الشرطة، وظهر المعدن الأصيل للشعب المصرى وحمى رجال الشرطة والأقسام من بطش البلطجية والإخوان الإرهابيين.

وبعد حوادث 25 يناير تم إعادة الشعار القديم للشرطة أي "الشرطة في خدمة الشعب"، وبعد ثورة 30 يونيو عادت الأمور إلى نصابها، وبدأت تجربة عودة ثقة الشعب في شرطته التي نجحت بالفعل، بعدما تخلى جهاز الشرطة عن التكبر والاستعلاء وعاد لمعاملة المواطنين بكل رفق وذوق، وطبعا هذا لا ينفي وجود بعض الحالات الفردية فيها تجاوز لكنها تلاقى بكل حزم وقوة من مسئولي الشرطة أنفسهم..

ليتم تطبيق شعار الشرطة الحالي "الشرطة في خدمة الشعب" بكل دقة، فلم تقدم الشرطة دورها الأمني فقط بل مارست دورها الإنساني والوطني من بعد 30 يونيو بكل مهارة، فنجحت وزارة الداخلية في التقارب مع المواطنين، وحل مختلف الأزمات التي تنوعت ما بين توفير السلع الأساسية والخضروات بأسعار مخفضة، وتوجيه قوافل طبية للكشف عن نزلاء السجون وأقسام الشرطة للكشف المبكر عن علاج فيروس سي، وسداد المصروفات الدراسية للطلبة غير القادرين، والحرص على التواجد بين أبناء شهداء الشرطة في بداية العام الدراسي..

فضلا عن فتح مستشفيات الشرطة يوم الجمعة من كل أسبوع لاستقبال المواطنين وصرف الأدوية بالمجان، وقد لاقت هذه الخدمات استحسان جميع المواطنين الذين أثنوا على جهود وزارة الداخلية؛ لذا أطالب بضرورة إزالة ذلك الشعار الموجود أمام قسم شرطة الشرابية، والذي أظن أن مسئولي القسم لم ينتبهوا له؛ لأن من قام بكتابته مجموعة من طلاب إحدى المدارس الصناعية في إطار تجميل أسوار وحوائط القاهرة.
الجريدة الرسمية