تركيا تضع نفسها بين فكي واشنطن بصفقة الـ«إس 400» مع روسيا
لم تلبث العلاقات بين تركيا وواشنطن أن تهدأ بعد سلسلة من الأزمات والتي كان أخرها قضية القس الأمريكي أندرو برونسون، والتي أطفأت تركيا لهب أمريكا بالإفراج عنه، حتى عادت قضية أخرى من جديد تشعل الخلافات بينهما وهى عقد أنقرة صفقة صواريخ "إس 300" مع الروس العدو اللدود لواشنطن.
عقوبات أمريكية
التوقعات التي تلوح في الأفق هي أن واشنطن لن تسمح لهذه الصفقة بأن تمر مرور الكرام وتبذل قصارى جهدها من أجل عرقلتها إلا أن تركيا تصر على إتمام الصفقة غير مبالية لردود فعل الولايات المتحدة ما يطرح تساؤلات حول هل سيحل الغضب الأمريكي على تركيا؟ وهل أنقرة ستكون في مهب سلسلة من العقوبات الأمريكية لا يحمد عقباها في وقت تعاني فيه تركيا من ضغوطات داخلية وأزمات اقتصادية؟
أمريكا قبل أي شيء ترى في هذه الصفقة كسر للعقوبات الأمريكية ضد روسيا، ليس ذلك فحسب بل الصفقة تضع تركيا بين فكي واشنطن التي كشرت عن أنيابها بالفعل بمجرد علما بالصفقة، أولى العقوبات التي تطال تركيا جراء هذه الصفقة هي إعادة الولايات المتحدة الأمريكية النظر في صفقة "إف 35" بينها وبين تركيا، وخاصة أن الجيش الإسرائيلي وصف صواريح "إٍس 400" الروسية بأنها تمثل خطرًا على منظومة "إف 35" الأمريكية، وتعتبر واشنطن أفضل رد على الخطوة التركية هي منع تركيا من استخدم الـ "إف 35".
قانون أعداء أمريكا
ومن بين العقوبات المتوقعة أن تعيد واشنطن النظر أيضًا في صفقات السلاح بشكل عام بينها وبين تركيا، هذا إلى جانب وقوع تركيا تحت طاولة قانون مكافحة أعداء أمريكا، وهو قانون اتحادي للولايات المتحدة بموجبه فرضت عقوبات على إيران وكوريا الشمالية وروسيا، وتم إقرار مشروع القانون في مجلس الشيوخ الأمريكي في 2 أغسطس 2017م.
وتنظر واشنطن بخطورة للصفقة لكون تركيا من بين أعضاء حلف شمال الأطلسي الناتو وتمتلك منظومة الدفاعات الغربية، لذا يعد عقد الصفقة مع الروس بالنسبة لواشنطن بمثابة تعريض تلك المنظومة للخطر لأن في هذه الحالة من الممكن أن يطلع الخبراء الفنيون الروس على تفاصيل تلك المنظومات بما في ذلك "إف 35" الأمريكية.
غياب الثقة
من ناحية تركيا فإن الإقدام على الصفقة نابع من أزمة غياب الثقة بينها وبين واشنطن على خلفية عدد من القضايا التي ترى أنقرة أنها تعرضت فيها للخذلان من جانب الولايات المتحدة وعلى رأسها الانقلاب الأخيرة الذي شهدته تركيا والتي ترى الأخيرة أن هذا الانقلاب لم يكن ليصل إلى هذا المستوى لولا موافقة واشنطن، بالإضافة إلى التواصل والدعم من جانب الولايات المتحدة مع الأكراد شمال سوريا وهو ما تراه أنقرة كيد من واشنطن، فضلًا عن رفض واشنطن تسليم المعارض التركي، فتح الله جولن، وكذلك كسر واشنطن أنف تركيا عبر إجبارها مؤخرًا تسليم القس الأمريكي أندرو برونسون، عنوة.
وكانت تركيا واجهت محاولة الانقلاب الفاشل في يوليو 2016، وجهت تركيا أصابع الاتهام إلى رجل الدين التركي فتح الله جولن، المقيم في الولايات المتحدة والذي تطلب تسليمه لها بأي ثمن، بينما ترفض واشنطن ذلك، وكان برونسون، من بين المعتقلين الذين اتهمته تركيا بالتجسس ومساعدة المنظمات الإرهابية، ولما كانت تركيا مصرة على عدم تسليم القس الأمريكي، فرضت أمريكا عقوبات على تركيا دفعت بالليرة التركية إلى التراجع بشدة مقابل الدولار وتدهور العلاقات بين البلدين.
الخروج عن مسار الناتو
ورغم أنه عقب هذه الأزمة هدأت العلاقات بعض الشيء إلا أن الثقة مفقودة بين الطرفين، كما أن تركيا تريد حلفاء جدد ووجدت في روسيا ضالتها وخاصة أنها عدوة واشنطن التقليدية، وتعد هذه أول خطوة تركيا نحو انتزاع تركيا من طريق الناتو والانجرار نحو المعسكر الشرقي مثل روسيا والصين وإيران، ومن المتوقع مزيد من تأزم العلاقات وفرض العقوبات من جانب واشنطن ضد تركيا خلال الفترة المقبلة، والسؤال المطروح والذي من المقرر أن تجيب عنه تركيا مستقبلًا: هل ستصر تركيا في العناد مع واشنطن وتكمل الصفقة مع الروس أم ستتراجع وتخضع لأمريكا كما فعلت في قضية القس الأمريكي وغيرها من القضايا؟!