رئيس التحرير
عصام كامل

أكاديمية الأمل في غزة.. أطفال القطاع يواجهون آلام السرطان بـ «الساحرة المستديرة»

فيتو

قبل 5 أعوام، وبعد أن وضعت الحرب على قطاع غزة أوزارها، وعم الهدوء أرجاءه، كان منزل الطفل "يوسف مرر"بحي الشجاعية يتسعد لخوض معركة جديدة ذات طبيعة خاصة، بعد أن اكتشفت الأم إصابة الابن الأكبر بـ "لوكيميا الدم".


أمضى يوسف ما يقرب من سبعة أشهر في أحد مستشفيات القطاع بأمر من الأطباء المعالجين، مُنعت الزيارات عنه فلم ير إلا والدته وظل الأصدقاء.

في مواجهة آلام السرطان اللعين لم يجد الطفل الصغير سلوى في أيامه سوى متابعة مباريات الكرة، لكنه ظل بداخله حلم قديم لم يبارحه لحظة واحدة هو ممارسة لعبة كرة القدم، وبينما كان يوسف يتصفح صفحات معنية بكرة القدم على "فيس بوك" وجد إعلانا يقدمه "نادي تشامبيانز" لتكوين فريق يضم الأطفال مرضى السرطان بالقطاع يحمل اسم "الأمل".

نحو 608 أطفال من بين 8515 شخصا مصابين بمرض السرطان داخل قطاع غزة، النسبة الأكبر منهم لا يستطيعون الصمود طويلا في مواجهة هذا المرض، بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية في القطاع الناجمة عن فرض الحصار، فكثير من الأطفال يتساقطون سريعا وربما بعد أشهر قليلة من الإصابة بالمرض، خاصة لو كانت الأورام متفشية في معظم أعضاء الجسم، هذه الحالة قد تؤدي ببقية الأطفال المصابين بالسقوط في حالة نفسية سيئة، يجلسون في غرفهم في انتظار موت محقق، إن تأخر اليوم فلابد أنه سيحل غدا.

"الأطفال المصابون بالمرض في القطاع حالتهم النفسية تكون سيئة جدا جدا، وهذا ما لاحظناه خلال عمل النادي لأول مباراة تجمع ذوي قدرات خاصة وأيتام ومرضى السرطان، قررنا أن ننتبه لحالتهم وقت المباراة، فوجدنا أنهم ينسون ما يلم بهم من آلام ومتاعب، يلهون مع أقرانهم فتتحسن أمزجتهم"، يقول رجب السراج مدير أكاديمية تشامبيانز وفريق الأمل لتعليم الأطفال مرضى السرطان رياضة كرة القدم.

من هنا جاءت الفكرة وتحديدا عام 2015، حينما جمع النادي عددا من المرضى في يوم ترفيهي عادي لممارسة لعبتهم المفضل بعيدا عن أجواء المستشفيات وجلسات العلاج بالكيماوي، "من خلال صفحة النادي على فيس بوك، نشرنا الإعلان الذي يدعو الأطفال المصابين بالانضمام لفريق الأمل ليكون أول فريق كرة قدم في المنطقة العربية والشرق الأوسط يضم فقط مرضى السرطان، يعلمهم ويكسبهم مهارات يصبحون من خلالها قادرين على تمثيل فلسطين في الخارج واللعب مع فرق سوية وسليمة"، على الفور استجاب نحو 120 طفلا مصابا أغلبهم مصابون بلوكيميا الدم للإعلان، وبعد استشارات طبية استمرت طويلا من قبل عرض التقارير الطبية الخاصة بالأطفال المصابين، استقر الاختيار على 20 طفلا تتراوح أعمارهم مابين 9 إلى 17 عاما.

"كريم الحطاب" 13 عاما، كان ضمن الـ 20 طفلا الذين وقع عليهم الاختيار، ووجد الفريق الطبي الخاص بالنادي أن أجسادهم التي أنهكها المرض يمكنها أن تصمد ولو لدقائق معدودة أمام التدريبات البدنية التي تلي حصص المهارات الشخصية الأكاديمية، "اتعرفت على الأكاديمية من خلال ابن خالتي هو مريض أيضا، فدخلت على الصفحة الخاصة وسجلت، وهما اتصلوا علينا وحصلوا على بياناتنا من خلال مؤسسة خاصة بالأطفال المرضى في القطاع، جينا نغير جو ونطلع من جو المرض، وحسيت إني مبسوط مش مريض وإني شبه باقي الأطفال، وبتمنى نعمل فريق ونكونه ونمثل فلسطين في الخارج مش بس في الدولة أو العالم العربي".

منذ طفولته تعلق كريم بكرة القدم، عشقها حد الجنون، لم يترك مباراة إلا ودأب على مشاهدتها، كان ينوي حينما يبلغ السن المناسب أن يلتحق بأحد أندية الدولة وممارسة اللعبة بشكل دائم، كاد حلمه ينطفئ بعد ميلاد الخلايا السرطانية في جسده، إلا أن فريق "الأمل" أعاد إشعاله مجددا: "الأكاديمية بتقدم لنا أشياء كثيرة ما بتقدم للمتدربين العاديين كوننا مرضى باللوكيميا، وحركتنا كتير محدودة، بنخرج من كوننا مرضى".


يؤكد السراج على كثير من الصعوبات التي واجهت النادي عندما عقدت إدارته العزم على تأسيس الأكاديمية، فيمكن لأي جرح ولو سطحي أصاب الطفل أثناء اللعب أن يسبب له مضاعفات لا حصر لها، "في البداية ولمدة 3 سنوات كنا خايفين إننا نفتتحها، إنه تحصل مضاعفات للمرض خاصة في فترة المرض، لذلك طولنا في الافتتاح، حتى نكن حذرين في التعامل معهم، وحتى الآن الأمر كان إيجابيا على حالتهم الصحية، أعمار الأطفال من 9 حتى 17 عاما، ووجدنا أن هذه الشريحة من الأطفال المصابين هم الأكثر احتياجا للدعم النفسي طوال الوقت، من 2015 حتى 2018 كانت فقط فترة تأهيل وترتيب للأكاديمية لأنها ذات طبيعة خاصة واحتاجت إلى تحضير جيد".

برنامج حافل بالتدريب وتعلم المهارات الأساسية للعبة كرة القدم ينفذه الأطفال بشكل شبه يومي: "الأطفال في الأكاديمية يتعلمون كرة القدم ويلعبوها بعد التعلم والتدريب، المدير الفني يضع وحدات تدريبية وتقسم إلى عدة فقرات مثل بقية الوحدات كرة القدم. يتعلمون أولا مهارات اللعب، ثم يتم إطلاق مباراة تكون هي الأولى للفريق "الأمل"، كما أطلقنا عليهم ويطبق خلالها المهارات التي حصل عليها في التدريب، إحنا نسعى إلى تشكيل لهؤلاء اللاعبين نساعدهم كرويا، ومن ضمن الخطة الفنية دمج اللاعبين مع اللاعبين الأسوياء والأصحاء، حتى يتمكنوا من المشاركة في المناسبات الكروية المهمة".

ثلاث أطفال كانوا مصابين بأورام خبيثة في مناطق متفرقة بأجسادهم، كانوا ضمن القائمة المرشحة للانضمام للفريق، إلا أن الموت سبق لجنة إعلان الفوز بخطوة، "للأسف الحالة الاقتصادية في غزة صعبة فما كان منهم إلا اسستلموا للقدر ومات أطفالهم، ولم يلحقوا الانضمام للنادي".
الجريدة الرسمية