رئيس التحرير
عصام كامل

إلى متى ستظل «السوشيال ميديا» متهمة؟


لا أستغرب العبارات المتكررة عن مخاطر "السوشيال ميديا"، حتى صرت أعتقد أن عودتنا للوراء قربتنا من وصف "السوشيال ميديا" بأنها عمل من أعمال الشيطان، مثل ما حدث مع بونابرت أيام الحملة الفرنسية، عندما تم وصف مطابع الحملة الفرنسية بأنها من أعمال الشيطان.


فـ"السوشيال ميديا" –في رأي الكثيرين وهم أحرار في ذلك- هي المسئولة عن نشر التعصب، والأكاذيب، وخراب الشعوب. أعتقد أن السبب الرئيسي في مثل هذه المقولات هو أن "السوشيال ميديا" ليست خاضعة لسيطرة الحكومات. وأرى أن تحظر الدول التي تضايقها "السوشيال ميديا" جميع مواقع "السوشيال ميديا" حتى ترتاح من الصداع.

يعاني بعض منتقدي "السوشيال ميديا" مما يسمى في علم النفس بالإسقاط، فهم يستخدمون تويتر-مثلًا- لابراز مواقفهم أو الرد على آخرين، ثم يتهمون "السوشيال ميديا" بالتعصب. هناك فريق آخر يرى أن "السوشيال ميديا" انحرفت عن مسارها الذي نشأت من أجله - وهو حسب كاتب في صحيفة يومية– التواصل والتعارف بين الأهل والأصدقاء ونشر الثقافات وتبادل الأخبار.

لم أسمع تقريرا في أي وسيلة إعلامية أمريكية أو بريطانية أو فرنسية أو أسترالية أو كندية أو غير ذلك من البلاد التي تحترم "السوشيال ميديا" عبارات تقول إن "السوشيال" جلبت الدمار على فرنسا، أو بريطانيا، أو كندا، أو أمريكا، فالرئيس الأمريكي نفسه يستخدم "السوشيال ميديا" في مهاجمة خصومه السياسيين.

وإذا ما بحثت عن كلمة "السوشيال ميديا" على جوجل سكولر، وعلاقتها بالديمقراطية، ستطالع الدراسات والكتب التي تتحدث عن علاقة السوشيال ميديا بالديمقراطية، بل إن المخاوف الآن ليس من الخراب الذي ستجلبه "السوشيال ميديا" على الشعوب، ولكن من تزايد قبضة وسلطة الحكومات على "السوشيال ميديا".

ولا أعرف من العبقري الذي ظن أن مهمة "السوشيال ميديا" هي التعارف والتقارب بين الأصدقاء، ربما لأن البعض يظن أن "اجتماعية" السوشيال ميديا هدفها توفير نفقات دعوات الفرح على العريس، وتوفير نفقات النعي على أهل المتوفى، وأن مهمة مجموعات أو جروبات فيس بوك يجب ألا تتجاوز وصفات الأكل أو التعليق على المشكلات العاطفية.

معارضو "السوشيال ميديا" لا يرونها بالضرورة شر مطلق، لأنهم يحبذون استخدامها في الاتجاهات التي تتفق مع أرائهم، وإن كانو يظنون أن "السوشيال ميديا" خُلقت من أجل توحيد الصف والكلمة فهم مخطئون، فأول من تحدث عن السوشيال ميديا قبل نشأتها بـ 40 عاما وصفها بأن ستعيد فكرة "القبلية"، كان ذلك هو المبدع "مارشال ماكلوهان" – أستاذ الإعلام الذي تنبأ بالإنترنت والسوشيال ميديا قبل نشأتها-..

والذي وصف "القرية العالمية" أو السوشيال ميديا قبل 40 عامًا من نشأتها، وقال إنها ستعيد "فكرة القبيلة". عندها سأله المذيع إن كان ذلك سيؤدي لمزيد للتجانس بين الناس، فقال "ماكلوها": بل على العكس، هي ستزيد من التفرقة بين الناس، لأن أفراد القبيلة ينبذون من يختلف معهم".

من حق الإعلاميين وغيرهم من الفلاسفة مهاجمة "السوشيال ميديا"، لكني أراها مثلها مثل أي ميديا معبرة عن المجتمع بكل تفاصيله الدقيقة، والدعوات لحظرها أو تقنينها –في رأي العبد لله– الذي هجر "السوشيال ميديا" ولكنه لن يدعو لحظرها أو تقنينها –تثبت بحق أننا ما زلنا "عالم ثالث".
الجريدة الرسمية