رئيس التحرير
عصام كامل

اعترافات عاهرة


التقيتُها الأسبوع الماضى صُدفة، فى أحد كافيهات مدينة نصر، لم أعرفها من الوهلة الأولى، فليس من بين معارفى مُدخنات للشيشة، بينما كانت تُدخّن الشيشة باحترافية، كما أن ملابسها تبدو مثيرة، رغم الحجاب الطاووسي الذى كانت تضعه على رأسها.


تلاقت عيونُنا لثوان، بعدها نطق كلٌ منا باسم الآخر، وبينما انتفضت هى من مكانها، لم أتحرك أنا من مكانى، وبينما مدت إليّ يدها لمصافحتها، امتنعتُ أنا عن مصافحتها، مذكرة إياها بما كانت تفعله أيام الجامعة، حيث كانت ترتدي ملابس فضفاضة، وترفض مصافحة زملائها، وتواظب على الصلاة فى المسجد، وتصوم يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع، فضلا عن الأيام القمرية من كل شهر عربى، كما كان المصحف الشريف لا يفارق يديها.

كان زملاء الدراسة يرونها إنسانة ملتزمة دينيا وأخلاقيا، بينما لم أكن أراها كذلك، رغم أنها لم يصدر منها سلوك مشين يدينها، ولكن تشددها الظاهرى كان يُنفرنى منها.

كانت تبحث دائما عن مصلحتها، فكانت تلجأ إلىّ لشرح ما يصعب عليها فهمه فى مادة "النحو والصرف"، ثم سرعان ما تقاطعنى.

سألتنى: لماذا لم تصافحنى؟ فأجبتُها: لأنك كنت ترفضين مصافحة زملائك وأنا منهم، أيام الجامعة، بدعوى أنها حرام، فأطلقت ضحكة نسائية لفتت أنظار الموجودين، ثم أردفت: "ده كان زمان، وكل وقت وله أدان".

فسألتُها: "يعنى إيه"؟ فأجابت: "يعنى الزمن بقى غير الزمن، ودوام الحال من المحال".

قلتُ: لكنك كنت أكثر زميلاتك التزاما يصل إلى حد التشدد، فقاطعتنى: "ولكنى اكتشفتُ أننى لن أحقق شيئا بالتزامى، المجتمع رفضنى، كنتُ أجد صعوبة في الالتحاق بأية وظيفة أحلم بها، كانوا يسخرون من حجابي وملابسي الفضفاضة، رغم حصولي على تقدير "جيد جدا" في الليسانس، وبعدها أصقلتُ نفسي بدورات متقدمة".

قلت: وهل هذا ما دفعك إلى التمرد على حياتك القديمة؟

أجابت: "بصراحة.. آه، خاصة أن ظروفي الاجتماعية ساءت بعد وفاة والدي، وكنت مضطرة إلى العمل للإنفاق على والدتي وشقيقتي الصغرى".

قلت: وماذا حدث بالضبط؟ فأجابت لكن بنبرة كسيرة: "بعدما يئستُ من الحصول على وظيفة ذات دخل جيد يغنيني وأسرتي عن السؤال، قررتُ الثورة على ملابسي القديمة، فاشتريتُ ملابس مودرن، كما ترى، وحافظتُ على غطاء الرأس، تحت ضغوط من خالي، فضلا عن أنه يُظهر جمال وجهي، وعشتُ حياتي، وحققتُ كثيرا مما كنت أتمناه، فى وقت قياسي".

قاطعتُها: كيف؟ فأجابت: "التحقتُ بالعمل فى شركة دعاية وإعلان معروفة، تمنحنى راتبا كبيرا، وفّر لي ولأسرتي حياة لم يوفرها لنا أبى الزاهد الناسك".

قلت: ثم ماذا؟ فأجابت: "بالتوازي مع عملي بالوكالة، تعرفت على شخص إعلامي مشهور، فعملتُ معه فى إعداد برنامج تليفزيوني "توك شو"، كما ساعدني فى الالتحاق بعضوية نقابة مهمة".

قاطعتها: مقابل إيه؟ فأجابت: "نفس المقابل الذى دفعته عند الالتحاق بعملي الأساسي".

قلت: وما هو؟ فأردفت في انفعال: "هتهرج واللا إيه..المقابل اللي بتدفعه أي واحدة ست لراجل عشان يساعدها ويفتح لها الأبواب المغلقة".

حينئذ..ألجمت حالة من الصمت لساني عن الكلام، فأكملت هي: "من المؤكد..أنك قد تصفنى الآن بالعاهرة، بالمجرمة.. لكن صدقني لم يكن أمامي حلول أخرى.. فدخلي لا يقل الآن عن 15 ألف جنيه شهريا، وقريبا جدا سوف أقدم برنامجا أسبوعيا على فضائية جديدة"، فسألتُها: "وما طبيعة البرنامج.. هل سوف يكون عن تعليم العُهر؟" فاستقبلت سؤالى ببرود، ثم أجابت: "بالعكس،البرنامج سوف يكون عن "المرأة المؤمنة""، فنهضتُ من مكاني، وانصرفتُ دون استئذان، ولم أبال بندائها عليّ...
الجريدة الرسمية