الإهمال والإرهاب والعقاب في حادث محطة مصر!
أصابتني الدهشة وأنا أتابع ما قاله أشرف حسين، عضو النقابة العامة للعاملين بهيئة السكة الحديد على فضائية خاصة –عقب حادث محطة مصر المفجع- من أن أي سائق قطار يتناول مواد مخدرة يخصم من راتبه 2000 جنيه، وزاد الطين بلة عندما أضاف بأن السائق الذي يُكتشف أنه يتناول مواد مخدرة يُحرم من مميزات كثيرة في وظيفته أيضًا، ثم فجر عضو النقابة مفاجأة من العيار الثقيل عندما قال: أن هناك مجموعة من السائقين يتناولون مخدرات ولكن قلة قليلة، والجميع من السائقين لا يتناولون للحفاظ على رواتبهم وصحتهم.
الأمر الذي فسر حالة سائق قطار الكارثة ونحن نطالع وجهه الكريه على الشاشة وهو يبتسم غير مبال بما حدث.. والتعليق على كل الحوار شكلا ومضمونا وهدفا يحتاج إلى مقال آخر نتبين في حجم الخيبة التي فيها جزء كبير من إعلامنا.. لكن.. ما علينا!
هنا وفي هذه التصريحات تكمن المصيبة ويبدو الخلل واضحا وضوح الشمس، ولا فائدة لو أنفقنا المليارات في تطوير السكة الحديد كوسيلة نقل للملايين الذين يشكل البسطاء منهم النسبة الأكبر من مستخدمي هذا المرفق الحيوي طالما كان الحال كذلك، وكان هذا واقع قانون أو لوائح تتعامل بها الهيئة مع من يعملون بها!
* هل يمكن أن يكون عقاب سائق يتعاطي المخدرات ويعرض أمن وسلامة وأرواح ركاب قطاره للخطر الذي يصل غالبا إلى الموت هو خصم جزء من راتبه؟
* هل يمكن أن يكون عقاب من تكتشفه الهيئة يتعاطي مخدرات حرمانه من بعض مميزات كثيرة في وظيفته أو إبعاده لعدة أشهر قليلة عن العمل ثم يعود إليه مرة أخرى ؟
* هل يمكن السكوت على وجود فئة من السائقين يتناولون المخدرات تعرفهم الهيئة وتتركهم يقودون قطارات بها المئات والآلاف من الركاب؟
التحقيقات الأولية أثبتت من واقع سجل السائق المتهم أنه يتعاطى المخدرات وسبق إيقافه عن العمل وعاد إليه مرة أخرى، وفي سجله أيضا تفاصيل قضايا أخلاقية، مع ذلك يعمل سائق قطار، كنت أتصور أن يكون العقاب (الرحيم) هو الفصل من الخدمة تماما وليس مجرد خصم جزء من راتب السائق أو حرمانه من بعض مميزات وظيفته..
وكنت أتصور أن الكشف الدوري على السائقين للتأكد من خلوهم من المخدرات هو عمل جاد وليس مجرد روتين، بدليل ما جاء على لسان عضو نقابة العاملين بالهيئة عندما قال إن هناك فئة تتعاطى المخدرات ما زالت تعمل، بينما الباقي يخاف من الخصم من الراتب !
نعرف أن تعاطي المخدرات يصيب المتعاطي باللامبالاة ويفقده القدرة على تحمل المسئولية ويصبح الإهمال بالنسبة له طبيعيا، في حين أن سائق القطار أو أي مركبة يجب أن يكون واعيا ومنتبها ويستطيع تقدير الموقف الذي يتعرض له بحكمه، خصوصا عندما يكون مسئولا عن أرواح من معه!
في حادث محطة مصر الذي أودي بحياة 20 مصريا في لمح البصر، وتسبب في إصابة أكثر من 40 إصابات مختلفة، بين الحروق والكسور والكدمات بينهم حالات حرجة قد تكون مرشحة للموت -لا قدر الله- لا يمكن الجزم بأسبابه، قبل أن تنتهي تحقيقات النيابة، ولا يمكن استباق النتائج فيها حتى لا نقع في محظور الجهل أو تضليل الناس أو التلبيس عليهم!
وحتى لا يختلط أمر العنوان على القارئ فإن الإهمال يقتل أرواحا بريئة تماما كما يقتل الإرهاب أرواحا لا ذنب لها، وقد يكون المهمل أكثر خطورة لأنه يمارس الإهمال بلا خوف من قانون رادع أو عقاب حاسم، فأقصى ما يمكن معاقبته به هو عقوبة القتل الخطأ، بينما عقاب الإرهابي إذا قتل أو شارك في قتل بأي وسيلة هو الإعدام أو السجن المؤبد والمشدد..
والفرق كبير بين الإعدام والسجن بضع سنوات قليلة عقوبة القتل الخطأ!
ولأن الحادث كبير من حيث بشاعة موت الضحايا وخطورة إصابات الحريق، وأيضا المكان الذي وقع فيه الحادث لأول مرة في حوادث السكة الحديد المتكررة، انشغل الرأي العام في تفاصيل كثيرة طرحت العديد من علامات الاستفهام، وألقت بظلال كثيفة على الحادث ربما تنجلي مع التحقيقات.
هذا لن يكون الحادث الأخير طالما بقي الإهمال الذي نراه سيد الموقف، وطالما ظل عقاب متعاطي المخدرات من السائقين هو الخصم من الراتب، وطالما ظلت شماعة تعليق الفشل على الإمكانات!
المهمل الذي يتسبب إهماله في قتل الناس يستحق الإعدام مثله مثل الإرهابي، ومدمن المخدرات الذي يعمل سائقا أي وسيلة نقل جماعي يستحق الفصل النهائي من وظيفته وليس مجرد الخصم أو النقل.. هذا إذا جاءت نتيجة التحقيقات تتهم الإهمال، وإذا جاءت غير ذلك سيكون للحديث وجه آخر.. وبقي على البرلمان الذي ينتفض في كل حادث بشع بسبب الإرهاب أو الإهمال أن يسن تشريعات تغلظ العقوبات إلى حد الإعدام ليتحقق القصاص العادل وتهدأ أرواح الضحايا وتشفي نفوس المصابين.. حفظ الله مصر وشعبها.