عسكرة الفضاء
بدأت أمريكا إستراتيجية مغايرة لكل ما أخذت به في حروبها الباردة والساخنة التكتيكية منها والإستراتيجية، وعلى نحو يستفز الاتحاد الروسي إلى سباق مجاله الحيوى في صراع القوى النووية الفضاء الخارجي!
والحقيقة أن أحدا لم يتوقع قط أن تذهب العلاقة بين موسكو وواشنطن إلى التهديدات المباشرة وغير المباشرة، في عهد الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" لسببن أساسيين:
أن "ترامب" كثيرا ما أبدى إعجابا شديدا بشخصية وسياسة الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين"، ووعد بتقوية العلاقات مع موسكو حال أن يصبح رئيسا للولايات المتحدة. السبب الثاني أن بوتين متهم بدعم "ترامب"، وأن المخابرات الروسية قرصنت على الإيميلات الخاصة بالمرشحة الديمقراطية "هيلارى كلينتون" غريمته في سباق الرئاسة نحو البيت الأبيض. ولا تزال قضية التدخل الروسي في انتخابات ٢٠١٦ طوقا من فولاذ يقترب من معصمى "ترامب"، ويهدد بعزله..
خصوصا أن المحقق الخاص أدلى مؤخرا بتصريح قال فيه إن "ترامب" شخصية مفيدة جدا لموسكو، وهو تعبير أشبه بالتعبير الذي قالته إسرائيل عن الرئيس الأسبق "مبارك" أنه كنز إستراتيجي لها!
بعد وصول "ترامب" كان حريصا جدا على إظهار التناقض بينه وبين موسكو، وفي أسابيع ماضية ألغى اتفاقية الصواريخ النووية متوسطة المدى. وأمس فقط أعلن البنتاجون عن إستراتيجية عسكرية جديدة أثارت قلق وحفيظة القيادة السوفيتية، فخرج وزير الخارجية "لافروف" يعلن أن موسكو بدورها جاهزة لأى إستراتيجية!
ما هذه الإستراتيجية الأمريكية؟
هي عسكرة الفضاء نوويا وتكتيكيا. بالفعل رصدت الإدارة الأمريكية مخصصات هائلة لتطوير ودعم القدرات الهجومية النووية وغير النووية في برنامج حرب النجوم. بل أمر "ترامب" بتشكيل ما أسماه بالقوات الفضائية الأمريكية، وعلى الجانب الآخر لا يمكن تصور أن الروس في موقف المندهش فحسب، بل الحقيقة أن العلماء على الجانبين في سباق محموم لابتكار وإنتاج أسلحة لم تخطر على قلب البشر المعاصرين!
سوريا كانت ميدان ضرب النار المفتوح، تتم فيه تجربة مختلف أنواع الأسلحة الروسية من جانب، والأمريكية والإسرائيلية من جانب آخر، بل ويمكن أن ينسحب هذا أيضا على السلاح الإيراني، الذي شارك بقوة في الحرب السورية "العالمية". حين يفكر الرئيس الأمريكي في عدو فإن الصين مع روسيا تجسدان هذا العدو، وبقدر ما تعتبر روسيا خصما لدودا، بقدر ما يعتبر الجيش الصيني بقدراته وأعداده خطرا أكثر اقترابا.
أهداف "ترامب" من بدء برنامج الجيش الفضائي الأمريكي هو إضعاف الاقتصاد الروسي وإعادة إنتاج حقبة الحرب الباردة، لانهاك روسيا، وتجريدها من قوتها.
مع الحروب الدامية على الأرض، تشنها جيوش نظامية، وجيوش شبه عسكرية هي المليشيات، وجيوش إرهابية للدواعش وللقاعدة، سيعيش العالم ما يسمى بحروب الفضاء، وهو نوع من الحروب ينهض أساسا على التفوق الكاسح للأمريكان في مجال الذكاء الاصطناعي.
التشويش وتغيير المحتوى وتشفيره وإعادة برمجة الأوامر داخل الأسلحة لتنقلب على أصحابها، جميعها ظواهر، لا ينبغي اعتبارها حكرا على الأمريكيين، بل هي في الحقيقة موجودة على الجانبين الروسي والصيني.. الأقمار الصناعية لن تكون للاتصالات ولا للقنوات ولا التصنت، بل ستكون أيضا منصات تمطر صواريخ من كل الأنواع، التقليدي والنووى!