رئيس التحرير
عصام كامل

الأسطى فايزة حلوسة ست بـ«100 راجل».. أول سائقة نصف نقل بكفر الشيخ.. تنقلت بين النطرون وحلايب للشرقية وطنطا.. بدأت العمل في سن 11 عاما.. «فاتها قطر الزواج» لتزويج أخواتها

فيتو

للأنثى تركيبة غريبة ومتفردة، فقيل عنها إنها الجنس اللطيف الضعيف والناعم، إلا أنها وقت الشدائد تبدي قوة يعجز عنها الذكور، فللمرأة قوة تحمل تُذهل الرجال، هي التي تتحمل الصعاب والهموم، تحمل معها السعادة والحب، مبتسمة عندما تريد أن تصرخ، تغني عندما تريد أن تبكي، تبكي عندما تكون سعيدة، وتضحك عندما تكون خائفة، نماذج عدة على مر التاريخ والعصور قدمتها المرأة المصرية تحديدًا في تحمل المسئولية، واستطاعت أن تكون «وتد» البيت فهي الأب والأم في غياب العائل للأسرة.


البداية
«بدأت أشتغل وأنا عندي 11 سنة شفت المر وتعبت شقا وخدتها كعب داير من النطرون وحلايب وشلاتين للشرقية وطنطا».. بهذه الكلمات بدأت «الأسطى فايزة حلوسة» صاحبة الـ41 عامًا، في سرد مشوار كفاحها كأول سائقة عربة نصف نقل بمحافظة كفر الشيخ.

فايزة عبده حسن حلوسة، ابنة قرية القصابي التابعة لمركز سيدي سالم بكفر الشيخ، هي بنت ضمن 6 أخريات، ولديها أخ صغير يدعى حسن، تعيش في أسرة من محدودي الدخل أو قل الأسر الفقيرة، لذا بدأت العمل في سن الـ11 ربيعًا، برفقة والدها وأختها الكبرى، «فكيهة» بكافة الأعمال الشاقة مثل المعمار بأنواعه، قائلة: «كنت احمل قصعة الأسمنت واشتغل وراء البنائين، وعملت في الغيطان والمزارع، وبداية عملي في السواقة كان من خلال عملي مع أختي فكيهة في جنوب سيناء في إحدى الشركات، حيث كان يوجد جرارات في مكان العمل فكنت أطلب من سائقي الجرار أن يعلموني ومن هنا جاءتني فكرة السواقة، وبعد ذلك انتقلنا للعمل في بني سويف ثم وادي النطرون، وكنا نعمل عمال في إحدى شركات الكهرباء، وبعد ذلك ذهبنا لمصنع طوب على طريق «مصر – إسكندرية» الصحراوي، وكنت أحمل الطوب على رأسي، وهناك تعرفت على أحد سائقي النقل ويدعى الحاج عبد الناصر، وعملت معه «تباع» على سيارته واتقنت قيادة سيارات النصف نقل».

موقف محرج
تكمل الأسطى فايزة: «السبب في تصميمي على تعلم القراءة والكتابة، أنني كنت ذاهبة للقاهرة للعمل قاصدة عنوانا معينا مكتوبا في ورقة، ولم أكن أعرف القراءة وبمجرد نزولي بموقف أحمد حلمي، مشيت قليلا ثم استوقفت أحد الأشخاص وطلبت منه أن يقرأ لي العنوان الموجود بالورقة ويخبرني كيف أذهب إليه، إلا أنه أسمعني كلمة سيئة خادشة جرحتني لا أريد ذكرها، فأخذت منه الورقة ثم قطعتها واتجهت عائدة للموقف ولم أذهب لعنوان العمل، وقبل أن أركب السيارة وأعود لقريتي، نظرت للقاهرة، وقلت «والله ما أنا نازلاكي تاني إلا لما أتعلم القراءة والكتابة»، وبالفعل عدت والتحقت بفصول محو الأمية الليلية، وكنت أعمل بالنهار وأتعلم بالليل.

عم فتحي
وتابعت: «كان عم فتحي أحد البنائين، يعلمني أساسيات الحروف، حتى تمكنت من الحصول على شهادة محو الأمية وأصبحت أجيد القراءة والكتابة، وبإمكاني الآن قراءة الجرائد ولم أعد أحتاج لأي شخص لكي يقرأ لي شيئا، وفي تلك اللحظة التي تعلمت فيها القراءة والكتابة شعرت أنني أثق في نفسي بشكل كبير، وأيضا تمكنت من استخراج رخصة قيادة لأنهم كانوا يشترطون التعليم للحصول عليها».

كعب داير
واستكملت الأسطى فايزة: «قطعت آلاف المسافات بسيارة نصف نقل، وأحببت عملي كسائقة رغم صعوبته إلا أنه جعلني امرأة قوية، وتعلمت منه الكثير واستطعت أن أثبت نفسي من خلاله، ولا أنكر أنني تعرضت للكثير من المضايقات وكلمات الاستهجان من الناس، وطرائف مثل سخرية البعض (بص شوف واحدة بتسوق نصف نقل.. والحريم سايقة واحنا نقعد في البيوت.. وهكذا) كل هذه المضايقات تجاهلتها تماما، فأفضل رد عليها السكوت».

سيارة ملك
وتضيف، الأسطى فايزة، قائلة: «أختي الكبيرة فكيهة تمثل مقام الوالد بالنسبة لي وأخواتي، ووجدتها في أحد الأيام تخبرني، (من النهاردة يا فايزة مش هتشتغلي عند الناس، وهنعمل جمعية على قدنا ونشتري سيارة نصف نقل تشتغلي عليها) وبالفعل قد كان، ومنذ ذلك الحين أصبحت أول سائقة نصف نقل بكفر الشيخ، وطبيعة العمل كسائقة نصف نقل، تستدعي أن تكوني على يقظة منذ الثالثة فجرا إلى آخر النهار أو بالليل على حسب الشغل، ولم يحدث يوما أن تناولت أي شيء ممنوع ممن يتناوله بعض السائقين، وربنا يسلمها من عنده».

قطر الزواج
وعن حياتها الشخصية كأنثى، تروي فايزة مبتسمة: «أنا وفكيهة أختي شيلنا شيلة تقيلة، فوالدنا الله يرحمه كان على قد حاله، وحالتنا كانت صعبة فخرجنا للعمل وتكفلنا بحمل البيت وزواج أخواتي البنات وزوجنا أخي أيضا وبنينا منزل جديد بدلا من القديم الذي وقع على رؤوسنا لأنه كان بالطوب اللين ولم يتحمل الشتاء، ومع الوقت وجدنا أن قطر الزواج قد فاتني أنا وأختي، ولكن يكفينا أننا زوجنا أخواتنا، وسترناهم ولم نعد نحتاج لشيء، والأهم أن ربنا محوجناش للناس، واعتبر والدتي قدوتي في الحياة، وكانت تعمل في مصنع طوب وهي تحمل أختي على كتفها، واشتغلت في الخضار وغيره وكافحت علينا بالمعني الحرفي للكلمة، وعلمتنا كلنا نشتغل من أجل بعض ونسند بعض».

العمل عفة
توضح، فايزة، أن المرأة عندما تعمل في هذا المجال لا بد أن تكون جادة وحريصة وملتزمة، وتتجنب الدخول في مشاحنات مع الآخرين، قائلة: «تعلمت الصبر والجدية والمثابرة، وأكثر ما يسعدني عندما يقولون (فايزة حلوسة ست بـ100 راجل)، وتعلمت أيضا أن أفرض شخصيتي واحترامي على الآخرين، وعندما أستشعر أن الشخص الذي أمامي غير مريح في التعامل أبعد عنه وأوقف شغل معه فورا، والعمل في نظري (عفة للمرأة)».

البطالة في العقول
وتقول الأسطى فايزة: إن مشكلة البطالة هي مشكلة (عقول) وليس مشكلة حكومة، فالمشكلة تكمن في أن الشباب يريد أن يجلس على القهوة ويأكل وإذا عمل يشترط أن يكون العمل بالقرب من بيته وأمه أو زوجته، فالشاب لا يريد أن يذهب ويسعى بعيدا، وإنني كامرأة عملت في سيناء وبني سويف والنطرون وحلايب وغيرها من المناطق البعيدة؛ لأن الله أمرنا بالسعي والشغل مش عيب الشغل الحلال مهما كان بسيطا هو شرف لصاحبه.
الجريدة الرسمية