الرحلة
هل جربت أن تترك لخيالك العنان، تغمض عينيك وتحلم بمكان يتلاقى فيه الجمال والسحر مع العراقة، هل جربت أن تستنشق هواء نقيا بكرا، لم يلوثه صخب الحياة ولا مشاحنات البشر؟ هل جربت أن تنام نوما عميقا وتصحو متفائلا فهناك غدا أحلى وأجمل بانتظارك؟
هذه المرة رحلتنا في أجمل مكان في مصر بل في العالم، إننا نتجه بقلوبنا وأبصارنا إلى مدينة أسوان جنوب مصر، تلك المدينة التي اختارتها الطبيعة لتكون مصدر الحياة والقوة معا عبر عقود وأزمان عدة. في كل عام يتجمع آلاف السياح ليروا بأعينهم تعامد الشمس في يوم 22 فبراير على وجه رمسيس الثاني في معبد أبو سمبل، وتتكرر هذه الظاهرة في 22 أكتوبر من نفس العام.
انبهار منقطع النظير بحالة واحدة من مصادر جمال وعراقة هذه المدينة التي أراها مازالت بكرا.
بنفس الرؤية اختار الدكتور والعالم "مجدى يعقوب" جراح القلب الشهير مدينة أسوان لتكون البداية لانطلاق أكبر حلم راوده، وقرر أن يحققه في بلاده وصب فيه عصارة خبرته وأقصى أمنياته، عندما قرر أن يستقر ويختم حياته ختاما مشرفا، رأى أن ما قدمه في إنجلترا من إنجازات طبية جليلة لابد وأن يكون لمصر وأبنائها نصيبا منه.
فعاد وبدأ وأقام صرحا عملاقا لعلاج جراحات القلب في أسوان.
ولأنها قريبة من أفريقيا، ولأن جوها ما زال نقيا متميزا صافيا، ولأنها بعيدة بما يكفي من القاهرة العاصمة التي تستقطب كل المميزات.. لكل ذلك كانت البداية، ورغم أن الدكتور "يعقوب" من مواليد محافظة الشرقية ودرس الطب في جامعة القاهرة إلا أن عاما واحدا قضاه في ثانوية أسوان جعلته يعشق هذه المدينة، وأصبح من رموز هذه المحافظة الجنوبية.
لا نستطيع أن نأتى إلى أسوان ولا نمر على السد العالى أكبر إنجاز في تاريخ مصر الحديثة، ذلك السد الذي حمى مصر من المجاعة وإهدار مئات المليارات من مياه الفيضان، ومن رحم السد خرجت بحيرة ناصر أضخم بحيرة صناعية على مساحة تقدر بـ500 ك م لتكون مكانا دافئا لحياة سمكية خصبة.
بدأ العمل في السد العالى بأيدى مصرية وخبرة وتمويل روسي في عام 1960، وتم افتتاحه في 15 يناير 1971، لتبدأ مصر في كتابة تاريخها الصناعي الحديث ونهضتها الجديدة. كم كانت جولتى مرهقة رغم متعتها، والآن جاء وقت الراحة والاستجمام.
يا الله ماهذا الجمال؟
لم أصدق نفسى فقد سمعت كثيرا عن هذا الفندق العريق ورأيته في أحد المسلسلات التليفزيونية، لكن العين تعجز عن وصف ما رأيته، فندق (أولد كتراكت) في أعلى نقطة في مدينة أسوان على ضفاف النيل، أنشئ في عام 1899 على الطراز الفيكتورى الإنجليزي.
رائحة الزهور الملونة والأشجار التي تحيط بك من كل ناحية منذ دخولك إلى الفندق تصيبك بنشوة عارمة، أتقدم بخطوات هادئة، عينى تزوغان في كل ناحية لالتقاط الجمال المفعم بالأصالة الشرقية، أروقة الفندق لوحة فنية تستحق أن نلتقط فيها الصور التذكارية لتوضع في أحد المتاحف.
فهذا الجناح الملكى الأسطورى المكان المفضل لملك مصر والسودان الملك فؤاد، وذاك الجناح لسيدة الأدب الإنجليزي "أجاثا كريستى"، وفيه كتبت روايتها (جريمة على ضفاف النيل) استوحتها عندما جلست في شرفة جناحها المتميز، وهنا نزل "ونستون تشرشل"، وهناك في هذا المكان كان اللورد كرومر يأخذ قيلولته.
وهناك في هذا الجناح وقع (أغاخان الثالث) في عشق أسوان، عندما جاء للعلاج من مرض الروماتيزم في عام 1937، وعندما تزوج كان شهر العسل في هذا الجناح. وقد دفن أغاخان بعد وفاته في عام 1957 فى أسوان في الجهة المقابلة للفندق حيث بنى قبره، ويستطيع نزلاء الفندق أن يروه من شرفتهم.
أما عن أجمل مكان في هذا الفندق فهو التراس، حيث يمكن رؤية غروب الشمس من الساعة الرابعة إلى السابعة مساء، في الماضي كان الموظفون يونانيين وإيطاليين وعددا من الجنسيات، والعمال من النوبة.
أما اليوم بعد أن قامت الشركة القابضة للسياحة والفنادق والسينما بتجديد هذا الصرح المعمارى والتحفة الرائعة خلال ثلاث سنوات من العمل المضنى، حتى يخرج إلينا بمظهر يليق بعراقة هذا المكان، أصبح كل عماله وموظفيه من أبناء أسوان والنوبة، قلوب بيضاء ووجوه سمراء بشوشة.
ما أجملها رحلة.