رئيس التحرير
عصام كامل

قصة «راوية» الطفلة الوحيدة بين مصابي «محطة مصر».. جدتها من المفقودين في الحادث

فيتو

استعدت الطفلة راوية السيد أحمد، ذات الست سنوات، بصحبة جدتها لأمها، للعودة إلى والدتها ورفيقاتها الصغيرات، بمحافظة الشرقية، بعدما قضت ثلاث أيام في زيارة إلى منزل أحد أقارب الجدة بالقاهرة، ارتدت معطفها الصغير ومشطت شعرها، واحتضنت دميتها الجديدة، واتجهت حيث المصير المجهول، لم تكن تعلم أنها ستكون بطلة لقصة عنوانها «المأساة».


في تمام الساعة الثامنة صباحًا، وعلى الرصيف رقم «٦» المخصص لقطارات الوجه البحري، داخل محطة سكك حديد مصر، وقفت راوية تتشبث بيد جدتها، التي نبهتها مرارًا ألا تبتعد عنها، في انتظار القطار المتجه إلى الشرقية، لم تتوقف الصغيرة طوال هذه الدقائق عن مشاكسة الجدة، التي تحتل في قلبها موطنًا خاصًا، فهي آخر أحفاد العائلة -آخر العنقود- وتربطهما علاقة خاصة ولاسيما أنها عكفت على تربيتها، منذ انفصال والديها قبل أربعة أعوام.

انفجار ضخم، انخلعت معه القلوب، قتلى وجرحى، رءوس مثقوبة، وأنصاف أجساد منصهرة تتشبث بتلابيب الحياة، مشهد مأساوي، لم يتحمله عقل وجسد الطفلة الوحيدة في حادث انفجار عربة داخل محطة سكك حديد مصر، إلا أنها بعينين تقاومان المأساة قالت: «اسمي راوية وعندي ست سنين» وبعدها غابت عن الوعي.


داخل غرفة العناية المركزة بالطابق السابع بمعهد ناصر، وضعت راوية على أجهزة القلب والتنفس الصناعي، لم تعد تتذكر جدتها التي لا تزال في تعداد المفقودين، لم تشعر ببكاء والدتها خارج الغرفة، تلك السيدة الثلاثينية، التي اتشحت بالسواد حزنًا على ما ألم بابنتها ووالدتها، وهي تصرخ «يا راوية هترجعيلي بالسلامة يا حبيبتي أنا هستناكي يا راوية، يا قلب ماما يا حبيبتي».

هائم على وجهه، وحيدًا، هكذا حال الشاب الثلاثيني السيد أحمد، والد راوية، القادم من محافظة الشرقية، بحثًا عن ابنته، والذي قضى يومًا طويلًا بين قوائم المصابين والضحايا، مستشفى تلو الأخرى، إلى أن أبلغته إدارة مستشفى دار الشفاء أنها متواجدة بمعهد ناصر، يكاد يتوقف به الوقت وتتعطل عقارب الساعة.

بدا متماسكًا في أول الأمر، صعد ٧ طوابق على قدميه، لم يلتفت حتى إلى المصعد الكهربائي، عند باب غرفة العناية المركزة، سأل الممرض: "بنتي اسمها راوية قالولي موجودة هنا عايز أطمن، هي الطفلة الوحيدة المصابة من انفجار القطر" ارتبك الممرض وطلب منه الانتظار قليلًا؛ وأخبره أنه يحتاج بطاقة الرقم القومي، وبعدها سمح له بالدخول.

دقائق وتبدل حال الأب، خرج منهارًا منكسرًا، وجهه ازداد شحوبًا، سقط على أحد درجات السلم المقابل لغرفة العناية، ولم يتوقف عن البكاء قال بعدها: "الدكتور قالي حالتها خطيرة والحروق من الدرجة ٩٠، محطوطة على جهاز التنفس الصناعي، والدكتور قالي قدامها ٣ أيام، وصعب نقلها لأي مكان دلوقتي، لأنه خطر على حياتها، أنا بنتي خلاص راحت مني، منهم لله".

يبدو أن لـ"راوية" مآسٍ عديدة صفح عنها الآب قال: "لم أر ابنتي منذ أربع سنوات، منذ أن انفصلت عن والدتها، هي آخر الأبناء، وجدتها قالتلي :«هي نقطة ضعفك وهذلك بيها، يوم ما أشوفها أشوفها وهي بتموت، وشها محروق ووارم وجسمها كله متفحم، لله الأمر من قبل ومن بعد»، وعاد مجهشًا بالبكاء على صغيرته التي تصارع الموت.
الجريدة الرسمية