علمنة الإسلام.. وأسلمة العلمانية (2)
إمَّا أن تكونَ مسلمًا وإما تكون علمانيًا، أو أي شيء آخر، أنت حرٌ، ليس لأحدٍ سلطانٌ عليك، ولكن عندما تسعى إلى خلط الحقائق، وتُهينُ الإسلامَ، وتهبط به من عليائه السماوي إلى مُنحدر العلمانية السُّفلي، وتزعم أن الإسلامَ دينٌ علمانىٌّ، فأنتَ –حينئذٍ- "كذَّابٌ أشِر"، وتطورٌ طبيعىٌّ لـ "مُسيلمة الكذاب".
العلمانيون، الذين يئسوا من الإسلام، يستلهمون مكرَ رأس المنافقين "عبد الله بن أُبَىِّ بن سلول"، في كتاباتهم ومقالاتهم، ويسعوَن بدأبٍ شديدٍ إلى سحق هوية الإسلام عند الأجيال الناشئة، الذين لم يحصلوا على قدرٍ كافٍ من التربية الدينية السليمة.
الأسلوبُ القديمُ الذي اتبعته التياراتُ العلمانية المُتغرِّبة في مواجهة الإسلام، لم يعد يُجدي ولا يؤتي ثماره المرجوة، لذا لجأ العلمانيون إلى تغيير زاوية الاقتراب إلى الهجوم، فبدلًا من تنحية الإسلام وإبعاده قسرًا عن كلِّ شئون الحياة، لجئوا إلى علمنته، أو إلى أسلمة علمانيتهم.
"علمنة الإسلام وأسلمة العلمانية".. نظرية شيطانية تحملُ في داخلها مقوماتِ فشلها الذريع، غيرَ أنَّ الصمتَ عن أفاعيل وأباطيل تلك الفئة الضالة، يمنحُها قدرًا من الثقة لا تستحقه، ويُضفي على كتاباتها بعضًا من الجدية ليستْ جديرة به.. لذا وجبَ دائمًا التنبيهُ من خطرها، والتنويهُ بضلالها، والتحذيرُ من تدليسها.
والسؤالُ المنطقىُّ: كيف يُمكنُ أن يُوصَفَ الإسلامُ بأنه "دينُ علمانيٌّ" دونَ أن يعني ذلك أنه دينٌ يلغي نفسَه بنفسِه؟!
إنَّ علمانية الإسلام المزعومة، تتلخص في أنه دينٌ ليس له قوامٌ أو كيانٌ أو هوية مُميزة تُفرَضُ على الحياة وتُسيِّرُها، بل هو خاضعٌ للتشكُّل والتغيير والتبديل إلى حد الإلغاء والعزل من الوجود، وهذا هو هدفهم الحقيقي، ومُرادهم الذي يطمحون إليه.
إضفاءُ صبغة العلمانية على الإسلام، تلغيه وتخصم من رصيده لمصلحة العلمانية؛ لأنَّ جوهرَ هذه العملية الفكرية المُعقدة، هو إفراغٌ مُنظَّمٌ لجميع المبادئ والقيم والمفاهيم الإسلامية من مضامينها الثابتة والمستقرة، واستبدالها بمضامينَ علمانيةٍ مُتغربة تناقضُ معناها، أو تركها خاوية مائعة؛ لتتخذ بعد ذلك شتى المضامين.
وسوف أضربُ لك الأمثال بمفهوم "الاجتهاد"، الذي يحيد عن معناه الشرعي في الإسلام؛ ليُصبح في عقيدة العلمانيين: "أداة لتطويع أحكام الإسلام الشرعية؛ لتتناسبَ وتتوافقَ مع التوجهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الغربية العلمانية"، ومن بينها: إباحة زواج المسلمة ممن ليس مُسلمًا، وتحريم الطلاق والتعدد، ومن ثمَّ كسر جميع الثوابت والمقدسات!!
وإجمالًا.. فإنَّ الإصرار المُخادع على عملية التداخل بين الإسلام، باعتباره دينًا سماويًا، وبين العلمانية، بوصفها منهجًا بشريًا سُفليًا، يهدفُ إلى تذويب الأول في الثاني، وإلغائه تدريجيًا؛ حتى تصبحَ المجتمعاتُ المُسلمة، بلا دينٍ حاكمٍ، وتشيع الفوضى الأخلاقية بين أبنائها، كما يحدثُ تمامًا في أوساط العلمانيين.. ومن على شاكلتهم.
الغريبُ.. إنك إذا واجهتَهم بحقيقتهم البائسة، لم يعترفوا ولم يُقرِّوا بها، بلْ "يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا، وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ، فَإِن يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَّهُمْ، وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ".