ما هو برنامج وزارة الصحة لمحاربة الانتحار؟
قبل أسبوعين كتبتُ داعيًا لتدشين حملة لمحاربة الانتحار، وبعدها بعشرة أيام نشرت بوابة "فيتو" خبرًا على لسان الدكتورة منى عبد المقصود، الأمين العام للأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان، عن تدشين حملة لمكافحة أفكار إيذاء النفس والانتحار، وتخصيص خط ساخن للاستشارات النفسية.
الدكتورة منى أوضحت أن سبب توجه الأمانة العامة للصحة النفسية للتوعية بالمرض النفسي والأفكار الانتحارية الناتجة عنه هو انتشار حوادث الانتحار في الفترة الأخيرة.
بحثتُ على موقع الأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان فلم أجد برنامج الحملة حتى الآن، ولربما لم تضع الأمانة برنامج الحملة الخاصة بمحاربة الانتحار على موقعها حتى الآن رغم إعلان تدشينها. لكن ما لفت انتباهي حملة "آن الأوان نعرف أكتر عن المرض النفسي"، وهي موجودة على موقع الأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان على الإنترنت، وبصراحة كدت "أشد شعري" عندما قرأت مراحل الحملة والخطوات التي تم القيام بها.
الحملة انطلقت الحملة في أكتوبر 2015 واستمرت سنتين (2015 – 2016) حسب موقع الأمانة العام. الحملة في معظمها اتخذت شكلا إعلاميا يُغفِلُ حتى طريقة قياس الحملات، وأخشى أن تتعامل الأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان مع حملة محاربة الانتحار بالمنطق نفسه.
فـ"حملة آن الأوان نعرف أكتر عن المرض النفسي" –وسأجتهد في تلخيصها– بدأت بفيلم قصير عن مرض ADHD، ثم فيلم روائي طويل يتضمن أعراضا نفسية واضحة، وتم عرض الفيلم في ساقية الصاوي، الفيلم "كان" متاحا على اليوتيوب ووصل عدد مشاهداته لـ 21 ألفا، وحذف لمخالفته حقوق الملكية.
أهداف الحملة كانت نشر الوعي من خلال منشورات ومقاطع فيديو واستبيان خلال الفعاليات التي قامت بها الأمانة العامة، وحتى توفر الأمانة العامة المجهود ظنت أن أفضل شيء عرض فيديو في فعالية ما، ثم توزيع استبيان لقياس التأثير.
التقرير الأول للحملة (أكتوبر – ديسمبر 2015) تضمن عمل محاضرة قصيرة عن مرض نفسي تختاره الأمانة العامة كل شهر وطباعة منشورات خاصة بالمرض "المختار"، واختارت الأمانة العامة فندق "انتركوننتال سيتي ستارز" للافتتاح، ثم مستشفى الرخاوي، ونقابة الأطباء، والأمانة العامة للصحة النفسية، وكلية الآداب، ونادي المقاولون العرب، وكلية الدراسات العليا للتربية، مركز شباب حدائق القبة.
لا يوجد سبب واضح وراء اختيار بعض المؤسسات لعرض الحملة، ولا توجد خطة جغرافية مطلقا، وجاءت جميع المؤسسات في نطاق القاهرة الكبرى، وكأن المحافظات ليس بها أمراض نفسية.
الواضح بشكل جلي أن الأمانة العامة لم تخاطب الجمهور المستهدف من الحملة، فهل الجمهور المستهدف من الحملة الأطباء؟ إذا لم يكن الأطباء هم المستهدفون، فلماذا خصصت الأمانة العامة مستشفيات لإلقاء المحاضرة وعرض المواد المرئية. الأمانة العامة رغبت في وصول أكبر فوزعت منشورات واستبيانا خلال معرض الكتاب.
من المؤسف أن الأمانة العامة لا تعرف أن هناك حملات لا تحتاج إلى شو إعلامي، وأنه كان عليها إجراء الحملة مستهدفة جمهورا أكثر تحديدًا. على سبيل المثال، لو ركزنا على الأطفال والمراهقين كمجهور مستهدف من الحملة، فإن أفضل مكان لإجراء الحملة هو المدارس، وأفضل طريقة للتعرف مدى انتشار الأمراض النفسية بين الأطفال والمراهقين هم أولياء الأمور، وكان كافيا إعلانا واحدا وملصقًا (أو بوسترًا) يتم توزيعه في المدارس، وفي أماكن الشراء، وليس في نقابة الأطباء.
بالنسبة لحملة محاربة الانتحار، فأتمنى ألا تقتصر الحملة على شو إعلامي وافتتاح في فندق خمس نجوم، فبريطانيا خصصت منصب وزير لما أطلقت عليه "منع الانتحار" أو Suicide Prevention، حيث أصبحت "جاكي دويل" وزيرة للصحة ومنع الانتحار، حيث أضيف المنصب الجديد إلى منصب الوزيرة، وهذا يعكس حجم اهتمام بريطانيا بالقضية. قد يكون نسبة المنتحرين في مصر أقل، لكن الانتحار أصبح ظاهرة، وإلا لما قررت وزارة الصحة إطلاق حملة لمواجهتها.
المهم أن يكون هناك برنامج واضح للحملة، وأن يتم تحديد الجمهور المستهدف من الحملة بشكل دقيق، وألا يتم قياس تأثير الحملة بالطريقة نفسها في حملة "آن الأوان نعرف أكتر عن المرض النفسي"، حيث ركزت الحملة على عدد الحاضرين في المحاضرات، وعلى توزيع البوسترات في معرض الكتاب.