مهاتير محمد رائد النهضة الماليزية.. حول بلاده من دولة زراعية فقيرة إلى نمر آسيوى جامح ومن أهم دول العالم المنتجة والمصدرة للتكنولوجيا.. اهتم بالتعليم والتنمية البشرية.. والبنية الأساسية كلمة السر
بينما يواصل مهاتير محمد، رئيس وزراء ماليزيا الأسبق، ورائد نهضتها الحديثة زيارته إلى مصر، كثر الحديث في الشارع عن مدى استفادة مصر من التجربة الماليزية الرائدة في السياسة والاقتصاد، وكان ذلك موضع اهتمام العديد من المواقع الإلكترونية والصحف المحلية والعالمية التى تحدثت كثيرًا عن تلك التجربة الرائدة فما هي ملامح هذه التجربة ومن هو مهاتير محمد رائد تلك التجربة؟.
تعتبر التجربة الماليزية من أبرز التجارب الاقتصادية الناجحة، التي حازت على اهتمام وتقدير العالم (بعد اليابان )، حيث استطاعت ماليزيا خلال فترة زمنية تجاوزت عقدين من الزمن تقريبًا، بفضل رئيس وزرائها الدكتور مهاتير محمد (1981- 2003 ) من أن تتحول من دولة زراعية تعتمد على إنتاج وتصدير المواد الأولية، والاستهلاكية لكل ما ينتجه الخارج، إلى دولة من أهم دول العالم المنتجة والمصدرة للتكنولوجيا، وأصبحت نمرًا من النمور الآسيوية الصاعدة الواعدة، وأصبح قطاع الصناعة يساهم فيها بنحو (90% ) من الناتج المحلي الإجمالي، ووضعت هذه الدولة، التى تتشابه في ظروفها مع مصر، نفسها ضمن قائمة الدول الصناعية الكبرى.
ولم يكن نجاح هذه التجربة التي قادها مهاتير محمد، وليد صدفة بل اعتمد على منهج ومجموعة من المبادئ لعل أهمها وفقا لتقديرات الخبراء والمحللين الاقتصاديين، أن ماليزيا لم تتعرض لاستيلاء العسكريين على السلطة فيها، كما أن الاهتمام بدعم المشروعات المخصصة لمشروعات البنية الأساسية (طرق وكباري ومواصلات واتصالات) كان عاملا حاسما في المساهمة بشكل كبير في تحقيق نمو اقتصادي مستقر، وتحولت به ماليزيا إلى واحدة من بين أكبر خمس دول في مجال قوة الاقتصاد المحلي.
وركز مهاتير محمد على مجموعة من القضايا ذات الأولوية، وكان على رأسها تحسين المؤشرات الاجتماعية لرأس مالها البشري من خلال تحسين الأحوال المعيشية والتعليمية والصحية للسكان، ولم يتأتى ذلك إلا عن طريق الاهتمام البالغ بالتعليم والذي كان له الدور الأبرز في الطفرة التي شهدتها ماليزيا، حيث قامت بإيفاد الطلاب من أبنائها للدراسة في اليابان وغيرها من الدول المتقدمة، ولم تخجل الحكومة الماليزية بقيادة مهاتير محمد من الاستفادة بشتى الطرق من التجربة اليابانية في كافة المجالات، وخاصة فيما يتعلق بتوفير المناخ الاقتصادي الجاذب للاستثمارات الخارجية من خلال التأكيد بصرامة على احترام العمل وإجادته، والذي أدى إلى استحواذها على قدر كبير من الاستثمارات اليابانية خارج اليابان، وتعاملت الحكومة الماليزية مع الاستثمارات الأجنبية الواردة اليها ضمن ضوابط وشروط تصب بالنهاية في مصلحة الاقتصاد القومي.
ودعمت الحكومة الصناعات المصدرة والتصدير بقوة، وكان نتائج ذلك ارتفاع صادرات ماليزيا من 5 مليارات دولار في عام 1980 لتصل إلى 100 مليار في عام 2002، لتحتل صادرات السلع المصنعة بـ 85% من إجمالي الصادرات.
وارتفع مستوى دخل المواطن الماليزي من 1247 دولارا سنويًا في عام 1980، ليصل إلى 8862 دولارا سنويًا في 2002، كما انخفضت معدلات الفقر فيها من 49% في عام 1980 إلى 5% في 2002 وانخفضت نسبة البطالة إلى 3% .، ليؤكد تقرير التنمية البشرية الصادر عن البرنامج الإغاثي للأمم المتحدة في عام 2001 أن ماليزيا من أهم (30) دولة مصدرة للتقنية العالية، واحتلالها للمرتبة التاسعة بين هذه الدول متقدمة على إيطاليا والصين.
وإن ما حققته ماليزيا خلال هذه الفترة البسيطة من عمر الزمن ليس معجزة يستحيل تكرارها، وإنما هي تجربة وراءها جهد وعرق وإخلاص ومثابرة، وإرادة حقيقية من الشرفاء والمخلصين الذي ارتفعوا فوق المصالح والأطماع الخاصة، لتكون هناك مصلحة واحدة فقط، هي مصلحة الدولة، وهدف واحد فقط، هو التميز والتقدم، وهذا الجهد والعرق كان وراءه قائد بارع اسمه مهاتير محمد، فمن هو هذا القائد؟.
مهاتير محمد في سطور:-
مهاتير محمد أو محاضر محمد ولد في 25 يونيو 1925، وهو رابع رئيس وزراء لماليزيا في الفترة من 1981 إلى 2003، مما يجعلها أطول فترة لرئيس وزراء في ماليزيا، وهي من أطول فترات الحكم في آسيا.
وامتد نشاط "مهاتير" السياسي لما يقرب من 40 عامًا، منذ انتخابه عضواً في البرلمان الإتحادي الماليزي عام 1964، حتى استقالته من منصب رئيس الوزراء في عام 2003، وكان لمهاتير محمد دور رئيسي في تقدم ماليزيا بشكل كبير، ويعتبر من أكثر القادة تأثيرًا في آسيا وأكثر المناهضين للعولمة.
ولد مهاتير في ألور سيتار، بولاية قدح، وهو أصغر تسعة أبناء لأب معلم مدرسي وأم ربة منزل، والده محمد اسكندر من أصول هندية، حيث هاجر جد مهاتير من ولاية خيرالله الهندية، بينما جدته لأبيه فهى ميلايوية، أما أم مهاتير "وان تامباوان" فهى أيضًا ملايوية.
وخلال الحرب العالمية الثانية وأثناء الاحتلال الياباني لماليزيا، باع مهاتير فطائر الموز والوجبات الخفيفة الأخرى لتوفير الدخل لأسرته، والتحق مهاتير بالمدارس العامة قبل أن يواصل تعليمه في كلية السلطان عبد الحميد في ألور سيتار، والتحق مهاتير بعد ذلك بكلية الملك إدوارد السابع الطبية (التي أصبحت جامعة سنغافورة الوطنية) في سنغافورة، حيث قام بأنشاء مجلة طبية طلابية، كما ساهم أيضا في التحرير بصحيفة "ستريتس تايمز" باسم مستعار، وكان أيضا رئيساً لجمعية الطلبة المسلمين في الكلية.
وبعد التخرج في عام 1953، خدم مهاتير في الحكومة الماليزية الاتحادية كضابط خدمات طبية، وتزوج "ستى حازمة محمد على" وهي طبيبة وزميلة سابقة له بالكلية، في 5 أغسطس 1956، ثم ترك الخدمة الحكومية في عام 1957 ليمارس عمله الخاص به في ألور سيتار.
وازدهرت أعمال مهاتير الخاصة، مما سمح له أن يمتلك سيارة "بونتياك كاتالينا" عام 1959 متخذاً سائق خاص من أصول صينية - في ذلك الوقت، تقريبًا جميع السائقين في ماليزيا من أصول ملايوية، وذلك بسبب الهيمنة الاقتصادية للعرقية الصينية.
ولدى مهاتير محمد 7 أبناء من زوجته ستي حازمة محمد على، أربعة أبناء وثلاث بنات، كما خضع مهاتير بنجاح لعملية جراحية في القلب في عام 1989 وهو في سن الثالثة والستين.
حياته السياسية:-
في الانتخابات البرلمانية العامة لعام 1964، انتخب مهاتير محمد عضوًا في البرلمان عن دائرة "كوتا سيتار سيلاتان، بعد أن هزم مرشح الحزب الإسلامي الماليزي، ولكنه خسر هذا المقعد في الانتخابات العامة التالية عام 1969، أمام مرشح نفس الحزب.
وكان مهاتير قد أقيل من البرلمان في 12 يوليو بعد خطاب وجهه إلى رئيس الوزراء حينئذ تنكو عبد الرحمن، بعد أحداث شغب 13 مايو 1969، وفي رسالته إلى تنكو عبد الرحمن، انتقد مهاتير الطريقة التي أدارت بها إدارة تنكو عبد الرحمن البلاد، حيث كانت تعطى الأولوية للمواطنين ذوي الأصول الصينية، ثم استقال مهاتير من عضوية حزبه في 26 سبتمبر، وبعد ذلك في عام 1970، كتب مهاتير كتابه "معضلة الملايو" ، الذي سعى فيه لشرح أسباب أحداث 13 مايو في كوالا لامبور، والأسباب التي جعلت تقدم الملايو الاقتصادي سيئًا.
وحظرت حكومة تنكو عبد الرحمن نشر الكتاب على الفور، ولكن الحظر رفع بعدما أصبح مهاتير رئيسًا للوزراء في عام 1981، وفي 7 مارس 1972، انضم مهاتير إلى حزب المنظمة الوطنية الماليزية المتحدة، وفي عام 1973، عيّن كسناتور .
وفي عام 1974، تخلى عن منصب السيناتور من أجل خوض الانتخابات العامة، حيث أعيد انتخابه بالتزكية في دائرة "كوبانج باسو"، وعيّن وزيرًا للتعليم، وفي عام 1975، أصبح واحدا من النواب الثلاثة لرئيس حزب المنظمة الوطنية الماليزية المتحدة، وفي 15 سبتمبر 1978، عينه رئيس الوزراء حسين أون، نائبًا لرئيس الوزراء، ثم عينه وزيرًا للتجارة والصناعة في تعديل وزاري، رئيس الوزراء.
وفي 16 يوليو 1981، أصبح مهاتير محمد رئيسًا لوزراء ماليزيا، وعندما استقال حسين أون، من منصبه لأسباب صحية، وكان أول رئيس وزراء في البلاد ينتمي لأسرة فقيرة، حيث كان رؤساء الوزارات الثلاثة قبله، أعضاء في الأسرة الملكية أو من عائلات النخبة.
وقضى مهاتير 22 عامًا في المنصب، وتقاعد في 31 أكتوبر 2003، مما جعل منه واحدًا من أطول فترات الحكم في آسيا، وعند تقاعده في 31 أكتوبر 2003، حصل مهاتير على لقب "تون"، وهو أعلى تكريم لشخصية مدنية في ماليزيا.
وبين عامي 1983 و1991، استطاع أن يمرر بعض التغييرات الدستورية الرئيسية التي تنزع حق "الفيتو" الملكي والحصانة السيادية ضد المقاضاة للأسرة المالكة قبل هذا التعديل، وكانت الموافقة الملكية على القوانين مطلوبة من أجل تمرير أي من مشروعات القوانين، و بعد هذا التعديل، أصبحت موافقة البرلمان تعادل الموافقة الملكية بعد فترة 30 يوم، دون انتظار رأي الملك.
وكان عام 2004 مثيرًا للجدل لبعض قادة دول الأعضاء لمنظمة المؤتمر الإسلامي بسبب بعض تصريحات الرئيس مهاتير محمد، ضد اليهود وتحديدًا إسرائيل عندما ألقى خطابه الناري وقال فيه "إن كل المشكلة هم اليهود ونحن المسلمون متسامحون" وبعد هذه الجلسة وصف الرئيس الماليزي بالبطل وذي الشخصية الرجولية.