عضو بـ«الأعلى للشئون الإسلامية» يتحدث عن سر بدء سور القرآن بـ«البسملة»
قال الدكتور أحمد على سليمان عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، إن أول ما يلفت الأنظار في كتاب الله تعالى المسطور أن كل السور فيه -باستثناء سورة التوبة- صُدِّرت بالبسملة، واشتمت البسملة صفتي الرحمن الرحيم، ولا ريب أن تصدير كل السور بهاتين الصفتين أمرٌ له دلالته الواضحة على مركزية الرحمة وأهميتها في التشريع الإسلامي، وفي دنيا الناس.
وأضاف عضو الأعلى للشئون الإسلامية، خلال حلقة له في برنامج "الإسلام والحياة" التي قدّمها محمد جمعة بإذاعة القرآن الكريم، وجاءت تحت عنوان "الراحمون يرحمهم الرحمن": "كان من الممكن أن يجمع الله تعالى مع صفة الرحمة صفة أخرى من صفاته، كالعظيم أو الحكيم أو السميع أو البصير، أو أن يجمع مع الرحمة صفة أخرى تحمل معنى آخر يُحَقِّق توازنًا عند القارئ بحيث لا تطغى عنده صفة الرحمة، وذلك مثل: الجبار أو المنتقم أو القهار، ولكن الجمع بين هاتين الصفتين المتقاربتين في بداية كل سور القرآن الكريم يعطي الانطباع الواضح جدًّا".
وأوضح أن الرحمةَ مُقدَّمَة على كل الصفات الأخرى، وأن التعامل بالرحمة هو الأصل وهو الأساس في الإسلام، لذلك افتتحت سورة الفاتحة، بالبسملة -وفيها صفتا الرحمن الرحيم- كبقية السور، ثم نجد فيها صفتي الرحمن الرحيم قد تكرَّرَتا في السورة ذاتها، وهذا التصدير للقرآن الكريم بهذه السورة بالذات له دلالته الواضحة أيضًا.
وتابع: "سورة الفاتحة يجب على المسلم أن يقرأها في كل ركعة من ركعات صلاته في كل يوم، ومعنى ذلك أن المسلم يُرَدِّدُ لفظ الرحمن مرتين على الأقل، ويُرَدِّدُ لفظ الرحيم مرتين على الأقل في كل ركعة من ركعات الصلاة، ليتذكَّر فيها العبد رحمة الله تعالى، وهذا يعني ترديد صفة الرحمة في كل يوم 68 مرة من خلال 17 ركعة تُمَثِّل الفروض التي على المسلم مما يُعطِي تصوُّرًا جليلا لمدى الاحتفال بهذه الصفة الجليلة وهي صفة الرحمة" كما أكد ذلك د/ راغب السرجاني في دراسته الرحمة في الإسلام".
واستطرد "سليمان": "القرآن الكريم يجعل الرحمة في كينونة المسلم، تتحرك معه حيث كان، في حله وترحاله وفي كل أوقات حياته"؛ لذلك قال النبي (صلى الله عليه وسلم) محفِّزًا ومرغِّبًا على التَّخَلُّقِ بهذا الخُلُقِ وتلك القيمة النبيلة: (لاَ يَرْحَمُ اللهُ مَنْ لاَ يَرْحَمُ النَّاسَ)، وكلمة الناس عامَّة تشمل كُلَّ أَحَدٍ، دون اعتبارٍ لجنس أو دين.
وهو نفسه –صلى الله عليه وسلم- قد بُعث رحمة للإنسانية ورحمة للعالمين، فقال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء: 107)، ومن صور الرحمة التعاهد بالإطعام والسقي والتخفيف في الحمل وترك الضرب، فالمسلم يرحم الناس كافَة، أطفالًا ونساءً وشيوخًا، مسلمين وغير مسلمين، وفي قول النبي الكريم (صلى الله عليه وسلم): "ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ" تحفيز وتهييج للنفوس على التحلي بصفة الرحمة، وكلمة "مَنْ" تشمل كل مَن في الأرض، فتشمل تعاطف الإنسان مع أخيه الإنسان، بل هي رحمة تتجاوز الإنسان بمختلف أجناسه وأديانه إلى الحيوان الأعجم، إلى الدواب والأنعام، وإلى الطيور والحشرات.