رئيس التحرير
عصام كامل

إلزام التأمين الصحي بصرف مستحقات ورثة موظف أجرى عملية زرع كبد بالصين

فيتو

قضت المحكمة الإدارية العليا الدائرة العاشرة موضوع، بإلزام الدولة ممثلة في هيئة التأمين الصحى، بصرف كامل المستحقات المالية لورثة موظف تم إجراء عملية زراعة كبد بالخارج بدولة "الصين".


وذكرت «المحكمة» في مبادئ الحكم، أن هيئة التأمين الصحي ملتزمة بالعلاج الكامل للموظف بدون حد أقصى للتكلفة ، ولا يجوز أن يكون هناك حد أقصى موحد يصرف لكل الحالات طالبة العلاج، حيث تختلف تكلفة العلاج من حالة لأخرى، وتلتزم الجهة الإدارية بصرف كامل المبالغ التي يصرفها الموظف عند إجرائه عملية جراحية لزرع الكبد، بسعر الصرف للعملة الأجنبية وقت الأداء، وينحصر اختصاص اللجان الطبية المتخصصة في كتابة تقرير طبى كامل بالحالة المرضية للمريض، وتوافر علاجه بجمهورية مصر العربية أو عدم توافره، ولا يتجاوزها إلى تحديد المساهمة من عدمها في زرع كبد للمريض خارج الجمهورية.

وجاء في حيثيات الحكم، برئاسة المستشار الدكتور محمد ماهر أبو العينين نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية المستشارين ناصر سيد حسن معلا، وإيهاب عاشور الشهاوى عبد العاطي، وأحمد محمد أحمد الإبياري، وخالد محمد فتحي، محمد نجيب نواب رئيس مجلس الدولة، وحضور المستشار خالد لطفى مفوض الدولة، أن الدستور قد حرص على دعم التأمين الاجتماعي، حيث ناط بالدولة تقديم خدماتها في هذا المجال إلى المواطنين بجميع فئاتهم في الحدود التي يبينها القانون من خلال تقرير ما يعينهم على مواجهة بطالتهم أو عجزهم عن العمل أو شيخوختهم أو مرضهم، وذلك لأن مظلة التأمين الاجتماعي التي تكفل بمداها واقعًا أفضل يؤمن المواطن في غده وينهض بموجبات التضامن الاجتماعي التي يقوم عليها المجتمع.

تابعت المحكمة: إنه وفقًا لنص المادة السابعة عشرة من الدستور، فإن الرعاية التأمينية ضرورة اجتماعية بقدر ما هي ضرورة اقتصادية، وأن غاياتها أن تؤمن المشمولين بها في مستقبل أيامهم عند تقاعدهم أو عجزهم أو مرضهم بما مؤداه أن التنظيم التشريعي للحقوق التي كفلها المشرع في هذا النطاق يكون منافيًا لأحكام الدستور منافيًا لمقاصده إذا تناول هذه الحقوق بما يهدها أو يعود بها إلى الوراء.

ويؤكد الدستور على أن الدولة ملتزمة من خلال وحداتها ومن بينها الهيئة العامة للتأمين الصحي بالعلاج والرعاية الطبية لجميع المواطنين وذلك بإجراء العمليات الجراحية وأنواع العلاج الأخرى، وهذا الالتزام لا ينفك عن الدولة إلا باستقرار الحالة المرضية أو الإبراء من المرض، وليس ذلك هبة من الدولة تمنحه لمن تشاء، وتمنعه عمن تشاء، ولكنه من أقدس واجباتها التي لا تستطيع بأي حال التنصل منها تحقيقا لخير الوطن ونشرًا للأمن والسلام الاجتماعي بين كافة طبقات الشعب

وأشارت المحكمة إلى احترام الدستور لحق الأفراد في الحياة والمحافظة على الصحة العامة للمواطنين ودعم التأمين الاجتماعي والصحي، وناط بالدولة كفالة تقديم الخدمة الصحية للمواطنين وهو ما يمثل الحد الأدنى من المعاملة الإنسانية للمواطنين، وهذا الواجب الدستوري المنوط بالدولة محظور عليها النكول عن القيام به، فالدولة ملتزمة بالعلاج والرعاية الطبية، وذلك بإجراء العمليات الجراحية وأنواع العلاج الأخرى، وكذلك صرف الأدوية اللازمة

كما حدد القانون وسيلة تمويل وتأمين المرض عن طريق الاشتراكات الشهرية تخصم من العاملين وغيرهم من المواطنين، وذلك بالنسب المنصوص عليها في القانون، وكذلك لا ترخص في مباشرته بدعوى ارتفاع أسعار الدواء أو قصور في الموازنة المخصصة أو غير ذلك من الأسباب، خاصة إذا انجلى مرض المواطن بتقارير طبية قاطعة يستوجب ترياقًا غلا سعره أو تدخل جراحي حاسم يخفف عن المريض آلامه.

وأوضحت أن صون حقوق المواطنين وحرياتهم يندرج ضمن الغايات الأساسية للمبادئ الدستورية والقانونية والتي يتقدمها على الإطلاق حق الحياة، وينعطف عنه في الأساس الحق الطبيعي والإلزامي في الصحة ورعايتها وهو ما يغدو الوسيلة الوحيدة لتغيير الحق في الحياة الذي نصت عليه الدساتير والقوانين وأنزلته الشرائع السماوية الثلاث وأوجدته الديانات المختلفة والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان. 

وقد ساير المشرع الدستوري المصري ذلك دساتيره المتعاقبة، وحيث أن مبدأ الالتزام الدستوري والقانوني للدولة ومؤسساتها بالرعاية الصحية والعلاجية للمواطنين يلزم أن يتوافق مع مبدأين آخرين يضاهيانه أهمية وهما "مبدأ جودة العلاج" والذي يعني مجابهة الأمراض بأفضل الوسائل العلاجية من خلال الفحوصات والتشخيص والدواء أو العمليات الجراحية وخلافها، ومبدأ "وقتية العلاج" لأن كفالة الدولة بعلاج مواطنيها يجب أن يرتبط بآنية العلاج وسرعته لكونه ينحدر إلى هاوية الإهمال حين يجتمع مع البطء الروتيني والبيروقراطي في الإجراءات الإدارية لإنفاذ العلاج على أرض الواقع، وتشكل هذه المبادئ الثلاثة إطار المنظومة العلاجية المتكاملة المتفرعة عن الحق في الصحة الذي تغياه المشرع الدستوري، فلا يتمخض عن انزواء أي منها سوى استمرار الحالة المرضية وتطورها التصاعدي أو استحضار الموت قهرا.

وذكرت أن خضوع المواطن لأنظمة علاج وظيفية عامة أو خاصة أو التكافلية أو التأمينية لا يعفي الدولة وأجهزتها المختلفة من مسئوليتها الدستورية عن إنزال وتطبيق حق الرعاية الصحية لمواطنيها دون تميز، إذ قد لا تمد لوائح تلك الأنظمة كامل مصروفات العلاج في بعض الأمراض أو الحالات المرضية، مما يقتضي أحايين كثيرة بسط الدولة لأجنحتها وواجباتها على رعاياها المرضي العزل من العلاج الكافي وإضفاء الطمأنينة والأمان عليهم والمجتمع عموما.

وشددت المحكمة أن تحديد الحد الأقصى للمبلغ الذي تتحمله الدولة في حالات علاج المواطنين على نفقة الدولة وإن كان من شأنه توحيد المعاملة المالية بين المواطنين، إلا أنه جاء غفلا عن حقيقة أن تكاليف العلاج تتفاوت بحسب نوع المرض والحالة المرضية لكل مريض، ولا يجوز إعمال قاعدة المساواة إلا بين من تتماثل مراكزهم القانونية وأوضاعهم الفعلية، فذلك شرط تطبيقها.

وحين يتخلف هذا الشرط يؤدي تطبيق قاعدة المساواة إلى عكس المقصود منها، بفرض المساواة في المبلغ الذي يصرف لمرضى يختلف كل منهم في مرضه أو في حالته الصحة عن الآخر، وما يستتبعه ذلك من اختلاف نفقات العلاج، ينطوي على إهدار لمعنى ومضمون مبدأ المساواة، ويتضمن غبنا لحقوق من يتسم مرضهم بالخطورة وبارتفاع تكاليف العلاج.
الجريدة الرسمية