«صرخة ضنا».. سيدة أفنت 30 عاما في الشوارع للبحث عن نجلها بصورة مرسومة (صور)
«ماشفتش صاحب الصورة.. ابني ماحدش شافه».. حين يصادفك المرور على قرية أبيوها التابعة لمركز أبو قرقاص، بمحافظة المنيا، ستجد أمام مسجد القرية الكائن على الطريق الزراعي، سيدة سبعينية، رسم الأسى على وجهها معاني التعب والشقاء، وكأنَّ الزمن غطاه بتجاعيد لكل شارع مرت به ليلًا أو نهارًا وهي تسأل عن نجلها، وترتدي عباءة قديمة سوداء، وفي يدها صورة مرسومة لطفل صغير، وعيون تذرف الدموع تجبرك على الوقوف لسماع روايتها.
ليلى محمد السيد، من مواليد 1949، ولدت بمحافظة قنا، تزوجت من مزارع، وأنجبت منه طفلين "علي" الابن الأكبر، و"عبد الرحيم"، وتوفي زوجها، ولم يترك لهم من حطام الدنيا شيئًا سوى شقة بالإيجار، وسرعان ما تراكم عليها إيجار الشقة ولم يمد لها أحد يد العون، فاتخذت من الشارع ملجأ لها ولطفها "عبد الرحيم"، ورفضت أن تدخل جوفها لقمةٌ من حرام عن طريق ابنها الأكبر "علي"، بعدما اتخذ طريقًا غير مشروع لجمع المال، فأصبح طفلها "عبد الرحيم" هو أنيسها الوحيد في الدنيا.
وأخذت تلملم العجوز قصتها مع ابنها المفقود، فتقول: «في ذلك الوقت كنت قد أكملت من العمر 35 عاما، وذات يوم اقترب مني رجلان وأنا جالسة في الشارع واقترحا علَيّ أن أضع "عبد الرحيم" في مكان أشبه بملجأ أو دار رعاية، مؤكدين أنه طفل يحتاج إلى رعاية من نوع خاص، وهناك سوف يتلقى جميع أنواع الاهتمام من مأكل وملبس، وبين وقت لآخر تأتي لنا وتطمئني عليه، وبالفعل اقتنعت بحديثهما، وتوجهت معهما وأخذا مني "عبد الرحيم"، وكنت بين الحين والآخر أذهب لرؤيته، وذات يوم توجهت لهما ولم أجد ابني، وحينما سألتهما كان الجواب: "اتبنته أسرة وهتعيّشه عيشة محترمة وتعلّمه وتعتني به.. واخدوه مصر واحنا مش عارفين عنوانه".
"قلبي اتخلع مني.. كنت شبه ميتة أول ما سمعت الكلام ده.. قعدت أصرخ".. عبارة خرجت بصوت منكسر من العجوز لكن قلبها كاد ينشق من هول الفاجعة، ولكن سرعان ما استجمعت قواها، وبدأت رحلة البحث عن ابنها، وتسأل المارة عن رؤيته على الرغم من عدم وجود صورة له.
وفي أحد الأيام قابلت العجوز شابًا فسألته عن ابنها كعادتها، وعندما سألها عن صورة له لكي يستطيع التعرف عليه قالت إنها ليس لديها أي شيء له، فاقترح عليها الشاب أن يرسم ابنها على وصفها حتى تسهل عملية البحث، "منذ أكثر من 30 عامًا وأنا أبحث عن عبد الرحيم، حتى أكرمنى الله تعالى بأحد الشباب الجامعيين في أسيوط ورسم صورة له، على حسب الأوصاف التي أعطيتها له، وفعلًا طلع زى عبد الرحيم بالضبط".
ولم تفقد السيدة الأمل في رؤية ابنها مرة أخرى رغم مرور 30 عامًا من البحث غير المجدي، واختلاف ملامح ابنها فإذا كان ما زال على قيد الحياة سيكون على الأرجح متزوجًا ومعه أطفال في عمر الصورة التي رسمتها له في مخيلتها، فتقول العجوز: "وصفت للرسام شكل عبد الرحيم وهو صغير لكن دلوقتي أكيد كبر، بادور عليه بصورة ساكنة في قلبي وعقلي، ولسه مكملة الحياة وأنا بادور".