د. عاصم الدسوقي: أمريكا وراء اغتيال السادات.. ومصر لا تزال تدفع ثمن دعمه للجماعات الإسلامية
- >> عبدالناصر رفض محاكمة محمد نجيب على تعاونه مع الإخوان لدوره في قيام الثورة
- >> الأحزاب قبل ثورة يوليو كانت ورقية
- >> كامب ديفيد ليس بها بند لصالح مصر
- >> مبارك كان ينفذ طوال 30 سنة أجندة السادات التي لا تزال مستمرة
- >> مرسي أساء للموروث الثقافى المصرى ودشن بوادر الفتنة الطائفية.. والخلاص من الإخوان كان ضرورة
- >> الجيش المصرى قام بواجبه في انتصار أكتوبر.. ولكن التوابع لم تتناسب مع قوة العبور العظيم
- >> تلبية طلب الثورة اليمنية كان قرارا صحيحا لعبد الناصر.. وأمريكا ذهبت لأفغانستان حتى تؤمن أمنها القومى
- >> عبدالناصر طلب من أصحاب رأس المال الاستثمار بالبنية التحتية فاتجهوا إلى الاستيراد بدل التصنيع
- >> أؤيد تعديل الدستور لأنه ليس قرآنا
هو شيخ المؤرخين المصريين، عندما يتحدث عن التاريخ فهو كالقاضى الذي يحكم بالعدل، تشكل وجدانه الوطنى في حى شبرا الذي تمازج فيه المسلمون والمسيحيون، بحيث لا يمكن التمييز بينهما، يرى أن مصر تدفع ثمن دعم السادات للإخوان والجماعات الإسلامية حتى الآن، وأن سياسة السادات طبيعى أن تقود إلى كامب ديفيد التي لا يوجد بها بند لصالح مصر، ولا يستبعد أن تكون أمريكا وراء اغتيال السادات أو على الأقل كانت تعلم بالعملية.
أما عن مبارك فيمكن اختصار الثلاثين سنة التي حكمها مبارك في أنه كان ينفذ أجندة السادات التي لا تزال مستمرة، لأن رجال الأعمال يحكمون من خلال نظام يؤيدهم، ويضيف في حوار لـ"فيتو": إن محمد مرسي أساء للموروث الثقافي المصري، عندما بدأ أخونة الدولة، وبدأت بوادر ملامح الفتنة الطائفية، ولذلك كان الخلاص من الإخوان ضرورة، ويحسب للرئيس السيسي أنه عبر عن الشعب في 30 يونيو التي كانت ضرورة لإنقاذ مصر
إنه المؤرخ الدكتور عاصم الدسوقى والعميد السابق لكلية الآداب جامعة حلوان الذي أكمل عامه الثمانين، تحاوره "فيتو" عن رؤساء مصر، وحال مصر قبل الثورات وبعدها. يتوقع «شيخ المؤرخين» عودة الحرب الباردة مرة أخرى بقوله: "روسيا أيدت ترامب ليس لأنه أفضل ولكنه سيكون عكننة على الأمريكان"، ويؤيد شيخ المؤرخين تعديل دستور 2014 بقوله "الدستور ليس قرآنا"، وإلى التفاصيل
*هناك من يتباكى على الديمقراطية والتجربة الليبرالية في مصر قبل ثورة يوليو 1952، ما رأيك؟
هذا ليس منطقيا، الحقيقة أن الأحزاب كانت قبل ثورة يوليو 52 ورقية، وعبارة عن انقسامات لأسباب شخصية، فعندما اختلف على شعراوى مع سعد زغلول في عام 1922 في باريس، وأشار سعد زغلول إلى على شعراوى أنه موجود فقط بماله، بعد أن اعترض على حملة الدعاية المكثفة للوفد في باريس، قرر على شعراوى تكوين حزب الأحرار الدستوريين، وفي عام 1936 اختلف أحمد ماهر مع مصطفى النحاس فتم فصله، كما فصل النقراشى قبله، فتم تشكيل حزب الهيئة السعدية نسبة إلى سعد زغلول، وفى عامي 43-44 اختلف مكرم عبيد مع النحاس فتم فصله من الحزب ومن مجلس النواب، فتم تشكيل الكتلة، وأعاد فتحى رضوان الحزب الوطنى الذي أسسه مصطفى كامل، وفى عام 1940 أعلن أحمد حسين زعيم حزب الفتاة تكوين الحزب الوطنى الإسلامي فانسحب المسيحيون منه، وكان شعاره "الله –الملك – الوطن" وفى عام 1947 جعله "الاشتراكى"، ومعنى هذا أن الحياة الحزبية قبل ثورة 52، كانت كلها خلافات شخصية، وطبعا الإخوان كان لهم مصالح مع الملك، وشركة القناة أو الإنجليز المحتل الذي سبق أن دعم الجماعة بـ500جنيه في عام 1928 عند بداية إنشائها، وهو مبلغ كبير في هذا الوقت، وهذا الدعم للاستحواذ عليها بلا شك.
هناك من يتحدث عن دستور 23 وما قبل ثورة 52، باب الحريات نحو 7 أو8 مواد جميلة، ولكن كل هذه المواد مشروطة في نهايتها، بحجة حسب القانون أو حجة التقاليد، مثال، عبارة الصحافة حرة، رائع ولكن في نهاية المادة لا يجوز مصادرة الصحف إلا بقانون ثم يضيف المشرع عبارة "ويجوز مصادرة الصحف وقاية للمجتمع من الأفكار الهدامة، هذا الشرط لأن الحزب الشيوعى في 1921 و1922 أعلن عن تكوينه، وطبيعى سيصدر جريدة، فيكون قرار المصادرة جاهزا وبالدستور والقانون، ودستور 1956 أخذ جميع المواد الخاصة بالحريات نصا من دستور 23، وقمت بدراسة مقارنة، ووجدت الأمور نسبية لاختلاف الظروف والأعراف، ولكن المنطق واحد، والأهم من هذا أنه لا حرية بدون ضوابط في أي مكان في العالم.
*ثورة يوليو 52، كيف ترى-كمؤرخ- إيجابياتها وخطاياها؟
ثورة يوليو منذ بدايتها اهتمت بالمواطن الفقير، في شهر سبتمبر عام 52 صدر قرار تخفيض الإيجارات 15% لصالح المستأجرين، وذلك بعد إعلان قوانين الإصلاح الزراعى، وعدم ترك السكن حسب آليات السوق والعرض والطلب لعدم ملائمة هذا مع دخل الموظف، هذا القرار كانت الأغلبية مستفيدة منه، أيضا في نفس العام صدر قانون عدم الفصل التعسفى للعامل من صاحب العمل إلا بعد التحقيق معه في وجود مندوب من النقابة التابع لها، ويتم التدرج في العقوبات، والمجانية بدأت قبل ثورة يوليو، وكانت فقط على المرحلة الابتدائية، وفي بداية الثورة تم تعميمها على المرحلة الثانوية، وفى عام 1962 تم تعميم المجانية على المرحلة الجامعية، في نفس العام تم تكليف القوى العاملة بتعيين الخريجين، أليست كل هذه القرارات من أجل المواطن البسيط؟
*هل تعاونت ثورة يوليو بالفعل مع جماعة الإخوان؟
اعترف محمد رياض أنه صاحب فكرة التعاون مع الإخوان لمواجهة مجلس قيادة الثورة، وذلك كما زعم أنه رأى تجاهل قيادة الثورة له فعرض الفكرة على محمد نجيب فرحب بها، وكان يمكن للثورة أن تحاكم محمد نجيب علنا، لتعاونه مع الإخوان بالرغم من تحذيره أكثر من مرة من هذا الأمر، ولكن عبدالناصر رأى عدم محاكمته لدوره في قيام الثورة.
*هناك من يرى أن ذهاب قواتنا إلى اليمن سبب رئيسى وراء نكسة يونيو؟
تلبية طلب الثورة اليمنية كان قرارا صحيحا، إذا كانت ثورة يوليو تحدثت عن الدوائر الثلاثة، الأولى هي الدائرة العربية، والثانية الأفريقية، والثالثة الإسلامية، وبالتالى أمن اليمن من أمن مصر، والأمن العربى لا يتجزأ عن أمن مصر والعكس صحيح، إذا كانت أمريكا ذهبت إلى افغانستان حتى تؤمن أمنها القومى، والحرب الباردة ما هي إلا توسيع النفوذ لضمان الأمن والحفاظ على المصالح العليا للدولة.
*هل كنت تؤيد عبد الناصر في قرار تأميم ممتلكات الإقطاعيين؟
نعود للبداية وهى التأميمات، البعض لا يذكر الأسباب الحقيقية للتأميمات التي حدثت في الستينيات، طلب عبدالناصر من أصحاب رأس المال الاستثمار في البنية التحتية، فبدلا من الاستيراد يتجهون إلى التصنيع، فلم يهتم أحد بل إن المليونير أبورجيلة أحد هؤلاء استورد أتوبيسات مرسيدس، وقام بتشغيلها أتوبيسات ركاب في القاهرة، بالرغم من أن هذه الأموال كان يمكن بناء مصانع بها، وحتى الآن أصحاب رأس المال لايفكرون في بناء مصانع حقيقية لتشغيل آلاف الشباب، لهذا كان لابد من "قطم" وسط هذا المارد المنطلق – مصر– فكانت حرب وهزيمة 67.
*إذن، هل ترى أن نكسة 67 كانت مؤامرة ضد مصر؟
نكسة يونيو 67 كانت نتيجة الفخ الذي نصب لمصر في عام 57، وعلينا مراجعة الصورة في 67، سوريا محاطة بالأعداء الأتراك وإسرائيل، بدأت إسرائيل التحرش بسوريا، وهناك اتفاقية الدفاع المشترك التابع للجامعة العربية، بالإضافة للاتفاقية الثنائية بعد الوحدة، وهذا يلزم مصر بالتضامن مع سوريا، وهنا كان قرار عبدالناصر بإلغاء وجود قوات الأمم المتحدة، وروجت إسرائيل للعالم أن مصر أعلنت الحرب، وهناك جانب آخر أكثر أهمية، هو أن عهد عبد الناصر كان عصر القوة الاقتصادية وتحقيق الاستقلال السياسي الحقيقى، ولا يمكن أن يكون هناك استقلال سياسي إلا بالاستقلال الاقتصادى، فقد نجحت أول خطة خمسية في تاريخ مصر، وبدأت مصر تشغيل مصانع الحديد والصلب والمصانع الحربية، وأصبحت دولة مصدرة لأفريقيا منتجات مدنية وعسكرية.
*ننتقل إلى فترة حكم الرئيس السادات، هناك من يرى أن التاريخ لم ينصفه رغم ما حققه من نصر أكتوبر واسترداد أراضينا المحتلة في 67؟
في انتصار أكتوبر 73 قام الجيش المصرى بواجبه على أعلى مستوى وكما ينبغى، ولكن التوابع والتسوية السياسية لم تتناسب مع ما تحقق على الأرض، لأن ما حدث هو تفاوض مع إسرائيل، والتاريخ يؤكد في كل حروب العالم أن المنتصر لا يفاوض وإنما يفرض شروطه، ولكن ما حدث تفاوض، وهذا يعنى التساوى على مائدة المفاوضات، واستكمالا لخطوات السادات للدخول في مظلة والمنهج الامريكى، أعلن الانفتاح والاتجاه إلى الاقتصاد الحر، وعودة الرأسمالية للحكم أو حكم يخدم الرأسمالية تحت عنوان "رجال الأعمال ".
وفى عام 1974 كنت في أكسفورد وقرأت هناك أشياء لم نكن نعرفها في مصر، في بداية حكم السادات جاءته ثلاث رسائل مخابراتية، الأولى من شاوسيسكو رئيس رومانيا اليهودى، وشقيقه يعيش في إسرائيل، الثانية شاه إيران، الثالثة السعودية عن طريق كمال الأدهم، التقارير الثلاثة طالبت السادات بطرد الخبراء الروس والإفراج عن الإخوان، وكنا نفهم طرد الخبراء ولكن لم نكن نفهم لماذا الإخوان إذا كنت تريد علاقات مع أمريكا، علمنا بعد ذلك أن أمريكا لم تكن تثق في السادات والإخوان الذين فتح لهم الحياة السياسية والاقتصادية والجامعات، هم البديل إذا لم يتم السيطرة عليه، للأسف ماحدث من دعم السادات للإخوان والجماعات الإسلامية لا تزال مصر تدفع الثمن حتى الآن، وسياسة السادات طبيعى أن تقود إلى كامب ديفيد التي لا يوجد بها بند لصالح مصر، تجعل لإسرائيل الحق في الحصول على النفط في حالة الزيادة عن الاستخدام المحلى، وفى عهد مبارك تم استحداث شركة كانت تشترى الغاز والبترول وتصدره لإسرائيل بشكل فيه التفاف لتنفيذ المعاهدة، ويمكن إلغاء المعاهدة، ولكن لابد أن تكون مستندا على قوة، لأن أمريكا والغرب لن يتركوك، من عقوبات وتحرش بك ومساندة كل ما سيسبب لك قلاقل، ولا أستبعد أن تكون أمريكا وراء اغتيال السادات أو على الأقل كانت تعلم بالعملية.
*ننتقل لفترة حكم مبارك، ما تقييمك لها؟
يمكن اختصار الثلاثين سنة التي حكمها مبارك في أنه كان ينفذ أجندة السادات التي لاتزال مستمرة، لأن رجال الأعمال يحكمون من خلال نظام يؤيدهم، نحاول تنفيذ الرأسمالية الغربية، ولكن هناك نقابات لها دور الضابط للعلاقة بين المواطن والعامل، وكل ما يتعلق بالسوق.
*كيف ترى تجربة جماعة الإخوان "الإرهابية" في حكم مصر؟
محمد مرسي أساء للموروث الثقافى المصرى، عندما بدأ أخونة الدولة، وبدأت بوادر ملامح الفتنة الطائفية، ولذلك كان الخلاص من الإخوان ضرورة، ويحسب للسيسي أنه عبر عن الشعب في 30 يونيو التي كانت ضرورة لإنقاذ مصر.
* كيف تقيم ثورتى يناير ويونيو؟
ما حدث في 25 يناير ليس ثورة بتطبيق التعريف العلمى، ما حدث تغيير رأس الحكم وليس نظام الحكم، ومجىء الإخوان يؤكد الفوضى الخلاقة، وهى الشعار الأمريكى فيما حدث، الملايين التي خرجت كانت نبيلة في الهدف الذي خرجت من أجله، ولكن الواقع يؤكد استمرار فلسفة الحكم وسيطرة رجال الأعمال والتحرر من القضية الفلسطينية، في محاولة لإعادة مشروع الشرق الأوسط أو مشروع بيريز 94 الذي يهدف إلى تقسيم الشرق الأوسط إلى 73 دولة، مصر خمسة دول، وكانت 30 يونيو ضرورة أجهضت الفتنة والحرب الأهلية التي كانت تحلم بها أمريكا للتدخل، وتقسيم مصر والمنطقة لرسم خريطة الشرق الأوسط الكبير.
*كيف ترى دور أفريقيا بالنسبة لمصر؟
أفريقيا هي العمق الإستراتيجي لمصر، وإسرائيل تغزوها، وتحاول تفكيك الحلقة حول مصر،غريب أن رئيس موريتانيا ألغى اسم ميدان عبدالناصر لارضاء إسرائيل، إنها إشارة مهمة ولكن السيسي منتبه جيدا منذ البداية لأهمية أفريقيا لمصر.
*أخيرا.. هناك من يتوقع عودة الحرب الباردة، ما رأيك؟
الحرب الباردة ستعود مرة أخرى، روسيا أيدت ترامب ليس لأنه أفضل ولكنه سيكون عكننة على الأمريكان، وطبيعى ستظل أوروبا في الركب الامريكى، والصين ستكون روسيا أقرب لها من الأمريكان.
الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"