مذكرات موسى صبري (2)
"ناصر" الأخ الأكبر للضباط الأحرار.
الحديث عن ثورة يوليو في مذكرات "موسى صبري" لم يكن حديث الثوار، لم يتعرض الرجل لاضطهاد واضح أو ظُلم بيّن إلا قليلًا، ولم يكن على علم بالكثير من الأسرار مثل غيره، ولم يُتهم أيضًا بأي تجسس لأي دولة.
ملامح تلك الفترة في مذكرات "موسى صبري" يمكن أن نقف فيها عند عدد من المحاور، لعل أولها قراره بنزوله للانتخابات ضد أحد الضباط الأحرار في انتخابات مجلس الأمة، ولذلك وقع الصدام بين الصحفي والنظام، فالأخير لم يغفر له الجرأة التي تحدث بها "موسى صبري" أثناء ترشحه، والذي رفع لافتة «أدخل لأقول لا»، ولكن الدلالة الأقوى أنه بعد ذلك تولى رئاسة تحرير الجمهورية، وأصبح صديقا قويا لـ"صلاح سالم".
لم يعترض "جمال عبد الناصر" أن يتولى "موسى صبري" جريدة يملكها باسمه والمعبرة الأولى عن ثورة يوليو، ذلك وحده يفتح ملف الذين ادعوا الاضطهاد في عصر "ناصر"، وأنا لا أنكر أن هناك اضطهادا لكن ليس الأمر كما تم تصويره.
جزء من الصورة الثانية التي يصورها «موسى صبري» عن تلك الفترة، دور "محمد حسنين هيكل" في المنظومة الصحفية في عهد "ناصر"، ورغم إنه لا يمكن الجزم بصدق ما يقوله، لكنه يوضح كيف كان «هيكل» يتحكم في القرارات الصحفية من أولها لآخرها، وكيف منع "موسى صبري" من العودة لأخبار اليوم، بل والأهم كيف أنه حين كان يلجأ -"موسى صبري" - إلى صديقه "أنور السادات" كان الأخير لا يفضل الصدام مع «هيكل» بأي شكل من الأشكال.
أما الجزء الثالث الذي يُكمل صورة حقبة "ناصر"، ما كشفه "موسى صبري" عن علاقة أعضاء الضباط الأحرار بـ"جمال عبد الناصر"، وذلك بعد علاقة "موسى صبري" القوية بـ"صلاح سالم"، والأخير كان ضحية الوقيعة فغضب عليه "ناصر"، لكن حين مرض "صلاح سالم" مرضه الأخير زاره "جمال عبد الناصر"، وقال له «من جنيه لمليون يا صلاح» وكان يقصد العلاج بأفضل الأماكن في العالم.
لم تكن تلك المفاجئة، فربما ما فعله "ناصر" طبيعيًا، لكن تحول "صلاح سالم" هو ما لم يكن طبيعيًا، دبّت فيه الحياة، بل وكان آخر كلماته قبل الموت أن "ناصر" قادر على تقدم البلاد وطالب الجميع بالالتفات حوله.
وبالنظر إلى موقف "صلاح سالم" يمكن معرفة أن هناك علاقات إنسانية حقيقية ربطت بين أعضاء مجلس قيادة الثورة و"جمال عبد الناصر"، فرغم الخلافات والانشقاقات، لكن في النهاية فإنهم لم يغضبوا منه باستثناء واحد أو اثنين، هذا يمكن أن تراه في مذكرات "خالد محيي الدين" وغيره ممن اختلفوا في كل شيء، لكنهم اتفقوا على وطنية «ناصر».
وللحديث بقية.