التنمية مجتمع
ثمة ما يمكن ملاحظته خلال السنوات الأخيرة أن هناك إجماعًا على أن النظريات الرأسمالية النفعية عجزت عن حل أزمات ومشاكل الشعوب، خاصة وأن هذه النظريات لم تضع نصب أعينها تنمية الإنسان والمجتمع بقدر ما هدفت إلى التنمية الشكلية والمظهرية للمجتمعات، ولم تراع أيضا اختلافات وتنوعات وثقافات المجتمعات والشعوب.
ويمكنك أن تلمح بوضح بعد تتبعك لثقافات وحياة الشعوب أنه لا ليس هناك علاقة بين الفقر أو انخفاض الدخول وبين التخلف، وأن نظافة الشوارع وتنسيق العمران واحترام آداب الطريق لا تدل بالضرورة على ارتفاع معدلات النمو المختلفة، ولكنها تدل بالضرورة على تقدم الشعوب.
ويكفيك أن تعرف أن معدل الناتج المحلي الإجمالي للفرد فى مصر يسبق دولًا كثيرة مثل الهند وبارجواي والمغرب، ولكن بالرغم من ذلك فإن المجتمع المصري يعاني تخلفًا شديدًا فى سلوكياته وأخلاقياته انعكست انعكاسًا وضحًا على الشكل العام للشارع، ويحتاج إلى سنوات ربما تكون طويلة لتغير هذه السلوكيات .
وللأسف الشديد إن مصر الثورة لم تتعلم من مصر التى كانت قبل الثورة، قبل الثورة حققت مصر معدلات جيدة بل أظهرت سياسيات اقتصادية متميزة خلال الأزمة الاقتصادية العالمية 2008، وبالرغم من ذلك أدت هذه السياسات إلى قيام الثورة وذلك لم تضع تنمية الإنسان نصب عينيها بقدر ما عملت على تنمية الثورات، وبعد الثورة لا يزال الوضع على ما هو عليه إلى جانب انخفاض معدلات النمو، الأمر الذي ينذر بقيام ثورة أشد.
يبين صاحب نوبل الاقتصادي الهندي الشهير "آمارتيا سن" فى كتابه المنقول إلى العربية "التنمية حرية" وجهة نظره في التنمية قائلاً "إن المرء، حتى لو كان من أكثر الناس ثراء، إذا ما حيل بينه وبين التعبير بحرية عن رأيه، أو إذا حظرت عليه المشاركة في الحوارات العامة أو في اتخاذ القرارات العامة، فإنه يصبح بذلك محروما من شيء يراه عن حق شيئا قيما. وإن عملية التنمية إذا ما حكمنا عليها على أساس تعزيز الحرية البشرية، فلا بد أن تتضمن إزاحة هذا الحرمان الذي يعانيه المرء".
وبهذا استطاع "سن" أن يدحض كل النظريات النفعية ودورها في التنمية واستخدمها الدخل والسلعة كأساس مادي للتنمية، في حين أن ثمة بونا فارقا بين هذا المعيار وما يتحصل عليه المرء من حرية، جراء الفوارق والتباين في الدخول، وما يستتبع ذلك من مظاهر الفقر والجوع .
ولهذا فنحن بحاجة ماسة إلى أن تتبع الحكومات المصرية أسلوباً جديداً فى التخطيط والتنمية يكون أساس ومحور هذا التخطيط قائم على تنمية الفرد والمجتمع وليس قائماً على تعظيم الثروات وحسب، باعتبار أن التنمية الحقيقية هى تنمية المجتمع.