دروس أهالي الشهداء
كان الآلاف من المصريين في 6 أكتوبر بالجيزة، وفي أبوحماد وفاقوس وكفر صقر بالشرقية، وفى الخصوص وطوخ بالقليوبية، وفي مطاي بالمنيا، وفي قرية الزينة بالبحيرة، وفي إدفا بسوهاج، على موعد أمس مع مواكب شهداء صدقوا ما عاهدوا الله وبلادهم عليه، فارتقوا دفاعا عن ترابها وأمنها وسلامتها، حين تصدوا ببسالة وجسارة وشرف للإرهاب الأسود لدى محاولته الهجوم على أحد الارتكازات الأمنية التابعة للكتيبة 408 مشاة ميكانيكي الخاصة بقوات التدخل السريع في شمال سيناء.
أرواح طاهرة ينحني لها الوطن كله إجلالا وتكريما، نجحت قبل أن تصعد لحياة أخرى عند ربها في أن ترسل سربا من خفافيش "داعش" إلى الجحيم غير مأسوف عليهم، لتظل الرسالة خالدة وهى أن تراب الوطن لا يحميه إلا دماء أبنائه، تلك الدماء الزكية الطاهرة، التي يقدمها أبطال قواتنا المسلحة العظام عن طيب خاطر جيلا بعد جيل.
بالأمس اختلطت الدموع بالزغاريد، وامتزح الحزن بالإصرار والإرادة في طول البلاد وعرضها، غير أن آباء وأمهات وزوجات الشهداء كانوا يضربون أروع الأمثال في الصبر والاحتساب، بل إن كلماتهم في المواكب المهيبة لتشييع أبنائهم إلى الرفيق الأعلي كانت درسا حقيقيا لنا جميعا، فوالد العريف "عبد الرحمن سليمان" قال إن ابنه كان يعينه على أعباء الحياة، كونه أكبر أشقائه الثلاثة، وأضاف باكيا "حسبي الله ونعم الوكيل في اللي حرموني من نور عيني.. الجيران طلبوا منه التأجيل علشان يساعدني في المصاريف والإنفاق على أشقائه لكنه أصر على تأدية الخدمة العسكرية...".
أما والد المجند "عزت عبدالله" فقال بثبات لافت: "أحتسب ابني عند الله شهيدا فهو ليس غاليا على مصر"، وودعت والدة "محمد إيراهيم سعفان" ابنها قائلة: "احمِ زمايله يا رب.. يا رب يحمي زمايلك يا ولدي على قد ما حكيت لى عنهم.. كان بيقولى أنا عايز أموت شهيد.. قلت له يا ابني إحنا عملنالك الشقة قال الشقة دي علشان أخويا لأني عايز أستشهد زي زمايلى في سينا".
كلمات مبكية ومؤثرة وتحمل بين طياتها عزيمة أهالينا الطيبين في بر مصر، كلمات تؤكد أن بلدا هذا شعبها لا ينكسر ولا ينهزم أبدا، كلمات ينبغي أن ننحني جميعا لأصحابها توقيرا واحتراما وتبجيلا، فهؤلاء هم من يعرفون معنى الوطن، وماذا يعنى حب مصر.
ولا أظن أن أحدا في مصر يشك في أن قيادتها التي عقدت فور العودة من زيارة مهمة في ميونيخ اجتماعا على أعلى مستوى ستثأر لهؤلاء الشهداء وتقضى على الإرهاب تماما، ولن يكون الوفاء لهم فقط بإطلاق أسمائهم على عدة مدارس أو شوارع في محافظاتهم، حمى الله مصر وعاش جيشها العظيم.